للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَبْقٍ وانْتِقَالٍ عن استصحاب أصل، والزِّيَادَةُ فيما نحن فيه لَيْسَتْ كذلك، وإنما هي زيَادَةٌ في المشهود به.

ويُفَارِقُ بَيِّنَةُ الألف وبَيِّنَةُ الألفين، فإنهما لا يَتَنَافيَانِ؛ لأن التي تَشْهَدُ بالألف لا تَنْفِي الألفين (١). وههنا العَقْدُ وَاحِدٌ، وكل كيفية تُنَافِي الكَيفِيَّةَ الأُخْرَى، فيثبت التَّعَارُضُ، فعلى هذا تُخَرَّجُ المسألة على القَوْلَيْنِ في التَّعَارُضِ.

فإن قلنا بالتَّهَاتُرِ، سَقَطَتِ البَيِّنَتَانِ، ورجعتا إلى التَّحَالُفِ. وإن قلنا: بالاسْتِعْمَالِ، فيجيء قَوْلُ القُرْعَةِ، وفي الحَلِفِ معها مَا مَرَّ في موضعه.

وعن أبي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ: أنَّه لا يُقْرَعُ؛ لأن القُرْعَةَ إنما يُصَارُ إليها عند تَسَاوِي الجَانِبَيْنِ، ولا تَسَاوِىَ، بل جَانِبُ المُكْرِي أَقْوَى؛ لملك الرَّقَبَةِ، وأما قَوْلاَ القِسْمَةِ والوقوف، فالمشهور أنهما لا يَجِبَانِ.

أما القِسْمَةُ فلوجهين:

أحدهما: أن النِّزَاعَ هاهنا في العَقْدِ، والعَقْدُ لا يُتَصَوَّرُ أن يُقَسَّمَ، بخلاف المِلْكِ.

والثاني: وهو المَذْكُورُ في الكتاب: أن القِسْمَةَ إنما تَجْرِي، إذا ادَّعَى كل واحد منهما الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ. وهاهنا الزِّيَادَةُ يَدَّعِيهَا أَحَدُهُمَا، وَيَنْفِيهَا الآخَرُ، ولا يُثْبِتهَا لنفسه.

وأما الوَقْفُ؛ فلوجهين أيضاً:

أحدهما: وهو الذي ذكره أَكْثَرُهُمْ: أن العُقُودَ [لا] (٢) توقف على أَصْلِنَا، والنِّزَاعُ هاهنا في العَقْدِ.

والثاني: وهو المَذْكورُ في الكتاب: أن المَنَافِعَ تُفَوَّتُ في مُدَّةِ الوقف، وفي هذه التَّوْجِيهَاتِ تَرَدُّدٌ.

أما الوجه الأول في القِسْمَةِ، فالعَقْدُ غير مَقْصُودٍ في نفسه، وإنما المَقْصْودُ، المعقود عليه، فجاز أن تُرَدَّ القِسْمَةُ على ما فيه التَّنَازُعٌ من المَعْقُودِ عليه، كما لو تَنَازَعَا في مِلْكٍ، وذكر كل واحد منهما: أنَّه اشْتَرَاهُ من فُلاَنٍ وَقْتَ كذا، وأقاما بَيِّنَتَيْنِ.

وأما الثاني: فالقول بأن الزِّيَادَةَ يَنْفِيهَا أَحَدُهُمَا، ولا يُثْبتُهَا لنفسه -ممنوع، بل كُلُّ واحد منهما يَدَّعِيها. هذا بحكم الإِجَارَةِ، وهذا بحكم ملك (٣) الرَّقَبَةِ، وانحصار الإِجَارَةِ في البيت، فلم لا يَكْفِي هذا القدر لِلْقِسْمَةِ؟ وأما الوجه الأول في الوَقْفِ، فإن الوَقْفَ الذي لا نَقُولُ به -هو أن تَتَخَلَّفَ بَعْضُ شُرُوطِ العَقْدِ، فيحكم بانْعِقَادِهِ مَوْقُوفاً إلى أن


(١) في أ: الألف.
(٢) سقط في: ز.
(٣) في أ: ملك بحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>