للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوجد ذلك الشرط، كَإذْنِ المَالِكِ في بيع الفُضُولِيِّ، وليس هذا الوَقْفُ كذلك، بل معنى الوَقْفِ هاهنا: أنا نَتَوَقَّفُ، ولا نُمْضِي حُكْماً، إلى أن ينكَشِفَ الحال، أو يَصْطَلِحَا. ومثل هذا مَعْهُودٌ في أصولنا.

وأما الثاني: فإنما تفوت المنافع لو عُطِّلت، ويمكن أن يُقَالَ: إن الزِّيَادَةَ تؤجر، وتُوقَفُ الأُجْرَةُ إلى الانْكِشَافِ، والاصْطِلاحَ.

وربما تَوَلَّدَ من هذه الإِشكَالاَتِ قَوْلٌ نَقَلَهُ المَوَفَقُ بْنُ طَاهِرٍ عن رواية المَاسَرْجَسِيِّ: أنَّه تجوز القِسْمَةُ في المِلْكِ، والوَقْفِ في الأُجْرَةِ، وإن (١) اختلف المُتَكَارِيانِ، والزيادة في جَانِبِ المُكْرِي. بأن قال: أَكْرَيتُكَ كذا بِعِشْرِينَ، وقال المُكْتَرِي: بل أَكْرَيْتَنِيهِ بَعْشَرَةٍ، فقول التَّعَارُضِ بحاله. وعلى المَحْكِيِّ عن ابن سُرَيْجٍ بَيِّنَةُ المكتري (٢) رَاجِحَةٌ للزيادة، ويطرد (٣) ما ذكره فيما إذا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ، وأقام كل واحد منهما بَيِّنَةً، وفي إحداهما زَيادَةٌ. ولو وجدت الزِّيَادَةُ في كل واحد من الجَانِبَيْنِ؛ بأن قال المُكْرِي: أَكْرَيْتُكَ هذا البَيْتَ بعشرين، وقال المُكْتَرِي: بل جَمِيعَ الدَّارِ بعشرة فلابن سريج رأيان (٤):

أحدهما: الرُّجُوعُ إلى التَّعَارُضِ لِتَقَابُلِ الزيادتين.

وأضعفهما: أنَّه يَأْخُذُ بالزيادة الجانبين، فتجعل جميع الدار تُكْرَى بالعشرين. وهذا خِلاَفُ قَوْلِ المتداعيين والشُّهُودِ جميعاً.

ثم قال العِرَاقِيُّونَ، والقاضي الرُّوَيانِيُّ، وغيرهم: هذا كُلُّهُ فيما إذا كَانَتِ البَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ، أو مُؤَرَّخَتَيْنِ بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ، أو إحداهما مُطْلَقَةٌ، والأخرى مُؤَرَّخَةٌ.

فأما إذا كَانَتَا مُؤَرَّخَتَيْنِ بتاريخين مختلفين؛ بأن أَقَامَ أحد المُتَكَارِيَيْنِ بَيِّنَتَهُ على أن كذا مكرى سنة (٥) من أَولِ رمضان، وأَقَامَ آخر بَيِّنته على أن كذا مكرى سنة من أول شوال، فأيهما يُقَدَّمُ؟ حكى القَاضِي أبو سَعْدٍ فيه قولين:

أحدهما، وهو جَوابُ العراقيين والروياني؛ أن التي هي أَسْبَقُ تَارِيخاً، أَوْلَى؛ لأن السَّابِقَ من العَقْدَينِ صَحِيحٌ لا مَحَالَةَ، فإنه إن سَبَقَ العَقْدُ [على الدار، صح، ولُغِي العَقْدُ الوَارِدُ على البيت بعده. وإن سَبَقَ العَقْدُ على] (٦) البيت صَحَّ، والعقد الوَارِدُ على الدار بعده يَبْطُلُ في البيت، ويُخَرَّجُ في باقي الدَّارِ على الخِلاَفِ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فرجح الأولى بذلك.


(١) في أ: فإن.
(٢) في ز: المكري.
(٣) في أ: فيطرد.
(٤) في ز: فلابن صريح رايات.
(٥) في ز: ببينته.
(٦) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>