للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الكِتَابَةِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهِيَ عَقْدٌ لَيْس بِوَاجِبٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ إِنْ الْتَمَسَ العَبْدَ وَكانَ أَمِيناً قَادِراً عَلَى الكَسْبِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيناً لَمْ يُسْتَحَبَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الكَسْبِ فَفي الاسْتِحْبَابِ وَجْهَانِ.

[قَالَ الرَّافِعِيُّ]: ذكر الأئِمَةُ -رحمهم الله- أن الكِتَابةَ (١) مَأخُوذَةٌ من الكَتْبِ وهو الضَّمُّ والجَمْعُ؛ يقال: كَتَبْتُ البَغْلَةَ، إذا ضَمَمْتُ بين شَفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ أو سَيْرِ.

وكَتَبْتُ القِرْبَةَ، إذا أَوْكَئْتُ رَأْسَهَا. ومنه الكِتَابَةُ؛ لما فيها من ضَمِّ بَعْضِ الحروف إلى بَعْضٍ والكتيبة لانْضِمَامِ بعضهم إلى بعض.

فسمي هذا العَقْدُ كِتَابَةً لما ينضم فيه النَّجْمُ إلى النَّجْمِ.

وقيل: سميت كِتَابَةَ؛ لأنها تُوَثَّقُ بالكِتَابَةِ من حيث إنها مُؤَجَّلَةٌ مُنَجَّمَةٌ، وما يدخله الأَجَلُ يُسْتَوْثَقُ بالكتابة. ولذلك قال تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] قالوا: وعَقْدُ الكِتَابَةِ خَارجٌ عن قِيَاسِ المُعَامَلَاتِ من جِهَةِ أنها دائرة


(١) وهي بكسر الكاف على الاشهر.
لغة: الضمن والجمع؛ لأن فيها ضم نجم إلى نجم، والنجم يطلق على الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة.
وشرعاً: عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر. نهاية المحتاج ٨/ ٤٠٤.
ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية، وهي معدولة عن قواعد المعاملات من وجوه:
الأول: أن السيد باع ماله بماله لأن الرقبة والكسب له.
الثاني: يثبت في ذمة العبد لمالكه مال ابتداء.
الثالث: يثبت الملك للعبد، فإن هذا العقد يقتضي تسليطه على المالك مع بقائه على الرق، لكن جوزها الشارع لمسيس الحاجة فإن العتق مندوب إليه والسيد قد لا يسمح به مجاناً والعبد لا مال له يفدي به نفسه، فإذا علق عتقه بالكتاب استفرغ الوسع وتناهى في تحصيل الاكتساب لإزالة الرق، فاحتمل الشرع فيها ما لا يحتمل في غيرها كما احتمل الجهالهَ في ربح القرض وعمل الجعالة للحاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>