للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفارقِ المَظْلُومَةَ وَفَارَقَ اللَّوَاتِي ظلم بِسَبَبِهِنَّ ثم عُدْنَ إلى نكاحه أو فارقها وفارقَهُنَّ ثم عُدْنَ إلى نِكَاحِهِ اشتغل بالقضاء ولا يحتسب من القضاء ما فات عنْدَهَا في مفارقتهن وَيجِيْءُ بالنِّكَاحِ الجديد الخلافُ السابقُ (١).

ولو كان في نكَاحِهِ ثَلاثَ فَبَاتَ عنْد اثنتين عشرين ثُمَّ فَارَقَ إحداهما يبيت عند المَظْلُومَةِ عَشْراً تسويةً بينها وبَيْنِ الباقية كذا ذكره في "التَّهْذِيب" وقال في التَّتِمَّةَ: لو ظلم واحدةً من الثَّلاَث بعَشْرٍ ثُمَّ قَبْل توفيَةِ حقِّها طَلَّقَ وَاحِدَةً من ضَرَّتَيْهَا لا يقضي لها إلا خَمْس ليال؛ لأنَّه إنما يقضي العشر من حقهما جميعاً، وقد فات حقّ واحدةٍ منهما، وقوله في الكتاب: "بعَشْرِ لَيَالٍ" لا يخفى أنه مَذْكُور على سَبِيل التَّمْثِيل. وقولُهُ "وَأَبَانَهَا فقد فات التداركُ وبَقِيَتِ المظلمةُ" فوات التدارك لا يختص بالإِبانة، بل كلُّ طَلاَق وفِرَاقٍ في معناها (٢) وكأنه أراد أن يرتب علَيْه الكلام فيما إذا أراد أَن يجدد نِكَاحها، فلذلك أطْلَقَ لفْظَ الإِبَانَة.

وقوله: "قَضَاها" معلَّم بالواو، وقوله: "إِلاَّ إِذَا نَكَحَ جَدِيدَاتِ أَوْ لَم يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ المَظْلُومَةُ بِهَا" يشير إلى أنَّه لو نَكَح جديدة، وبقيت في نكَاحِهِ الَّتي ظلم بسببها، لم يتعذر القَضَاءُ، وذلك كما إذا كانت تَحْتَهُ زوجتان، فَظَلَمَ واحدةً بلَيَالٍ، ونَكَحَ ثالثة، فيراعي حقَّ الثَّالِثَةِ، ويقضي للمَظْلُومَةِ من نَوْبَة المظلوم بها على ما تقدَّم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الخَامِسُ في المُسَافَرَةِ بِهِنَّ) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَمَّ بِسَفَرٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَاسْتَصْحَبَ وَاحِدَةً ثُمَّ إِذَا عَادَ دَارَ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ فَصَارَ سُقُوطُ (ح) القَضَاءِ عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، وَلَكِنْ بأَرْبَعِ شَرَائِطَ، أنْ يَقْرَعَ أَوَّلاً، وَأَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَى النُّقْلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلاً مُرَخَّصاً لِيَكُون فَوْزُهَا في مُقَابَلَةِ تَعَبها، وَأَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَى الإقَامَةِ في مَقْصِدِهِ، فَإِنْ خَرَجَ للِنُّقْلَةِ أَوْ لِلتَّفَرُّجِ أَوْ عَرَضَ فِي سَفَرٍ قَصِيرٍ قَضَى لِلبَاقِيَاتِ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الإِقَامَةِ في مَقْصدِهِ قَضَى أَيَّامَ الإِقَامَةِ، وَهَلْ يَقْضِي أَيَّامَ الرُّجُوعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ بِإقَامَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإنْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِهِ التَّرَخُّصُ، وَإِنْ أَقَامَ أَيَّاماً في انْتِظَارِ إِنْجَازِ حَاجَتِهِ ابْتَنَى القَضَاءَ عَلَى الخِلاَفِ في تَرَخُّصِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَعْزِمَ عَلَى النُّقْلَةِ وَيُخَلِّفَ نِسَاءَهُ.

قال الرافعي: بَيَّنَّا في أول القَسْم أن مقصود هذا الفَصْل القَوْلُ في مسافرة الزَّوْج بزوجاته أو ببعضهن، وقد صَحَّ عن عائشة -رضي الله عنها- أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ


(١) في أ: وإن
(٢) في ز: معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>