للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ:

ليس لِلْمُلْتَقطِ تَسْلِيمُ المالِ إلَى غيرِهِ؛ لِيُعَرِّفَهُ إلاَّ بإذْن الحاكِم، فإن فَعَل، ضَمِنَ، قالَهُ القاضِي ابنُ كجٍّ وغيْرُه. آخر: لاَ بُدَّ، وأن يكونَ المُعَرِّفُ عاقِلاً غَيْرَ مَشْهُورٍ بالخَلاَعة والمُجُون، وإلاَّ، فلا يعتمدُ عَلَى قَوْلِهِ، ولا تَحْصُل فائدةُ التَّعْريفِ (١) والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: ثُمَّ وُجُوبُ التَّعْرِيفِ سَنَةً في مَالِ كَثِيرٍ لاَ يَفسُدُ، أَمَّا القَلِيلُ الَّذِي لاَ يُتَمَوَّلُ فَلاَ يُعَرَّفُ أَصْلاً، وَإِنْ كَانَ مُتَمَوَّلاً عُرِّفَ مَرَّةً (ح م و) أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى قَدْرِ الطَّلَبِ فِي مِثْلِهِ، وَحدُّ القَلِيلِ مَا يَفْتَرُّ مَالِكُهُ عَنْ طَلَبِهِ عَلَى القُرْبِ، وَقِيلَ: انَّهُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وقِيلَ: الدِّينارُ فما دُونَهُ قَليلٌ إِذْ وَجَدَ عَلِيٌّ كَرَّمَ الله وَجْهَهُ دِينَاراً فَأَمَرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالاسْتِنْفَاقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: غَرَضُ الفَصْلِ والَّذي بعْدَهُ بَيَانُ أن التعريفَ سَنَةً لا يَجِبُ في كُلَّ لُقَطَةٍ، وإنَّما يجبُ عنْد اجتماع وصْفَيْنِ:

أحَدُهُمَا: أن يكونَ المُلْتَقَطُ كثيراً، فإن كان قَلِيلاً، نُظِرَ؛ إنِ انتهت قِلَّتُه إلى حدٍّ يُسْقط تموُّلُهُ؛ كالحبة من الحِنْطَة، والزَّبِيية الواحِدة، فلا تعريف [على واحدة]، وله الاستبداد به، ولَكَ أنْ تقولَ: ذِكْرُ خِلاَفٍ في أنَّ مَنْ أتْلَفَ مالاً يُتَمَوَّلُ، ما هو من قبيل المثْلِيَّات، هل يَغْرَمُهُ؟ والظَّاهرُ أنَّهُ لا يَغْرَمُهُ كما لا يَجُوزُ بَيْعهُ وَهِبَتُهُ، وحينئذٍ، فليجيءُ فيه الوجْهُ المذكورُ في أنَّ الكَلْبَ لا يجوزُ الْتقاطُه لِلاخْتِصَاصِ؛ لأنَّهُ يمتنعُ الاخْتِصَاصُ به بِعِوَضٍ، وبِغَيْرِ عَوضِ كما تقدَّم.

وإنْ كانَ مُتَمَوَّلاً مع القِلَّة، فيجبُ تعريفُهُ؛ لأنَّ فاقده يَطلُبُهُ، خلافاً لأبي حنيفةَ ومالكٍ -رضي الله عنهما- يُعَرِّفُ؟ فيه وجهان:

أحدهُمَا: سَنَةً، لإطلاقِ الأخْبَار، وهذَا أظهَرُ عند العراقِيِّينَ.

والثاني: المنعُ؛ لأنَّ الشَّيْءَ الحقيرَ لا يدوم فاقِدُهُ علَى طلبه سَنَةً، بخلاف


(١) فيه أمرأن:
أحدها: صرح ابن الرفعة بأنه لا يشترط فيه الأمانة إذا حصل الوثوق بقوله نعم صرح الدارمي باشتراط الأمانة إذا لم يكن معه مشرف.
الثاني: ذكر أول الباب أنه لا يصح تعريف الصبي كالمجنون، وكلام الدارمي يصرح بصحة تعريفهم إذا كان الولي معهم، فإنه قال إذا وجد صبي أو مجنون أو سفيه لقطة عرفها وليهم ولا يعتد بتعريفهم إلا أن يكون الولي معهم. انتهى. وهو ظاهر بل ينبغي إذا كان الصبي مراهقاً ولم يعرف بكذب أن يعتده مستقلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>