للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطيرِ، وهَذَا أشبهُ باختيار المُعْظَم، وعلَى هذا؛ فأوْجُهٌ:

أحدها: وُينْسَبُ إلى الإصْطَخْرِيِّ، أنَّه يكفي التعريفُ مَرَّةَ؛ لأنَّهُ يَخْرُجُ به عن حَدِّ الكاتِم، وليْسَ بعْدَها ضَبْطٌ يُعْتَمَدُ.

والثاني: يُعَرِّفُ ثلاثةَ أيامٍ؛ لأنَّهُ رُوِيَ بعضُ الأخبارِ: "مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةَ يَسِيرَةً، فلْيُعَرِّفْهَا ثَلاثةَ أَيَّامٍ" (١).

والثالثُ: وهو الأظهرُ أنَّهُ يُعَرِّفُ مدَّةً يُظَنُّ في مثْلِها طَلبُ الفاقد له، فإذا غَلَبَ علَى الظَّنِّ إعْرَاضُهُ، سقط عنه التعريفُ، ويخْتَلِفُ ذلك باختلاف قدْرِ المَال.

قال القاضِي الرُّوَيانِيُّ: فَدَانِقُ الفِضَّةِ يُعَرَّفُ في الحال، ودَانِقُ الذَّهَبِ يُعَرَّف يَوْماً أو يومَيْنِ أو ثلاثَةَ أيامٍ، وبم يُفْرَقُ بين القليل المُتَمَوَّل، وبينَ الكَثير؟ فيه أوجه:

أحدُها: عن الشيخ أبي محمَّد: أنَّه لا يُقَدَّرُ مقدارُه، ولكنْ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّ فاقدَهُ لا يُكْثِرُ أَسَفَهُ عَلَيْه، ولا يَطُولُ طَلَبُه لَهُ في الغالب، فهو قليل، وهذا أصحُّ عنْد المُصَنِّفِ، وصاحبِ "التتمة".

والثاني: أنَّ القليلَ ما دُونَ نِصَاب السَّرِقَةِ، فإنَّه تافه في الشَّرْع، وقد قالَتْ عائشةُ -رَضِيَ الله عنْها-: "مَا كانَتِ الأيْدِي تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في الشَّيْءِ التَّافِه" (٢) وبهذا قال مالكٌ وأبو حنيفةَ [رضي الله عنهما].

والثالثُ: عن رواية الماسرجسيِّ وغيرِه. أنَّ الدِّينار فما دونَهُ قليلٌ؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ


(١) رواه أحمد والطبراني والبيهقي واللفظ لأحمد، من حديث عمر بن عبد الله بن يعلى عن جدته حليمة عن يعلي بن مرة مرفوعاً: من التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك، فليعرفها ثلاثة، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام، زاد الطبراني: فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها، فإن جاء صاحبها فليخبره، وعمر مضعف قد صرح جماعة بضعفه، نعم. أخرج له ابن خزيمة متابعة، وروى عنه جماعات، وزعم ابن حزم أنه مجهول، وزعم هو وابن القطان أن حكيمة ويعلى مجهولان، وهو عجيب منهما؛ لأن يعلى صحابي معروف الصحبة.
إنما قال الرافعي: روى في بعض الأخبار؛ لأن إمام الحرمين قال في النهاية: ذكر بعض المصنفين هذا الحديث، وعنى بذلك الفوراني، فإنه قال: فإن صح فهو معتمد ظاهر، قلت: لم يصح لضعف عمر.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في مسنده بلفظ: إن يد السارق لم تكن تقطع، فذكره في حديث أوله: لم تكن تقطع يد السارق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أدنى من ثمن المجن ترس أو جحفة، وكل واحد منهما ذو ثمن، وهو في الصحيحين إلى قوله: ذو ثمن، والباقي بين البيهقي أنه مدرج من كلام عروة.
عزا ابن معن حديث عائشة هذا إلى مسلم، وليس هو فيه، إنما فيه أصله وعزاه القرطبي شارح مسلم إلى البخاري، وليس هو فيه أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>