للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالتها وإذا عرفت ما يَحْتاج الشَّاهِدُ إلى التَّعَرُّضِ له على قولنا: إن الشَّهَادَةَ عن المِلْكِ السابق لا تُسْمَعُ، فكذلك إذا قلنا: إنَّ الشِّهَادَةَ على اليَدِ السَّابقَةِ لا تُسْمَعُ، فينبغي أن تَتَعَرَّضَ الشَّهَادَةُ لِزِيَادَةٍ، بأن يقول: كان في يدِ المُدَّعِي، وأَخَذَهُ المدعى عليه منه، أو غَصَبَهُ، أو قَهَرَهُ عليه، أو بَعَثَ العبد في شغل، أو أَبَقَ منه، فاعْتَرَضَهُ هذا، وأخذه. فحينئذ تقبل (١) الشهادة، ويُقْضَى بها لِلْمُدَّعِي، فَيُجْعَلُ صَاحِبَ يَدٍ.

وقوله في الكتاب: "لم تُسْمَعْ حتى يقول: وهو ملكه"، يمكن حَمْلُهُ من جِهَةِ اللفظ، أن يجعل جَوَاباً على الطرِيقَةِ القَاطِعَةِ، ويمكن أن يُجْعَلَ جَوَاباً. على الأَصَحَّ، على طريقة إثْبَاتِ الخِلاَفِ. وعلى التَّقْدِيرَينِ فَلْيُعْلَمْ بالواو.

وكذا قوله: "ويُسْتَصْحَبُ موجب الإقرار" لما حكيناه من الخِلاَفِ، ونقل في "الوسيط" أن القاضي مَالَ إلى ذلك الوَجْهِ. وقوله: "أَو أَقَرَّ له المدعى عليه بالأمس"، يجوز أن يُعَلَّمَ بالواو؛ لأن هذه الصُّورَةَ بعينها هي الصُّورَةُ السابقة (٢) وهي قوله: "أما لو شهدت (٣) بأنه أَقَرَّ له بالأَمْسِ ... " إلى آخره.

وقوله: "ولا خلاف أنَّه لو شَهِدَ على أنَّه كانَ في يَدِ المدعي أمس قُبِلَ، وجُعِلَ المُدَّعِي صَاحِبَ يَدٍ". هذا غير مُسَلَّم، بل طُرُقُ الأصحاب نَاصَّةٌ على أنَّه كما لو قامت البَيِّنَةُ على المِلْكِ بالأمس، بلا فَرْقٍ، بل في صُورَةِ اليَدِ. تكلم الشَّافعي -رضي الله عنه- في "المختصر"، وحكم بِعَدَمِ القَبُولِ.

[فرع]

ذكرنا أن الشُّهُودَ على المِلْكِ السابق، لو قالوا: لا نَعْلَمُ زَوَالَ مِلْكِهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ.

ثم عن ابن المُنْذِرِ: أن الشَّافِعِيَّ -رضي الله عنه- قال: يَحْلِفُ المُدَّعِي مع البَيِّنَةِ، فإن ذَكَرُوا مع ذلك أنَّه غَاصِبٌ، فلا حَاجَةَ إلى اليَمِينِ. قال القاضي أبو سعد: وهذا غَرِيبٌ (٤)، وَوَجَّهَهُ: أن البَيِّنَةَ قامت على خِلاَفِ الظَّاهِرِ، ولم يَتَعَرَّضْ لإسقاط ما مَعَ المُدَّعَى عليه من الظاهر فَأُضِيفَ إليها اليَمِينُ.


(١) في أ: وحينئذ فتقبل.
(٢) في ز: السالفة.
(٣) في ز: شهد.
(٤) قد حكاه هكذا أبو عاصم العبادي وشريح الروياني ومقتضاه أنَّه يجب اليمين ولا يتوقف على طلب الخصم لكن نقل الدبيلي عن نص الشَّافعي في البويطي أنَّه لو أقام بينة على سلعة أنها له، فإن قالوا في شهادتهم لا نعلم أنَّه باع ولا وهب فذاك وإلا قضيت له بشهادتهم الأولى أنها له فإن أراد المشهود عليه أن يحلفه أنها في ملكه أحلفته. هذا لفظه ولا يبعد تنزيل ما نقله ابن المنذر على هذه الحالة ولا يستغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>