للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر: دَارٌ في يد رجل ادَّعَاهَا آخران (١)، وأَقَامَ أحدهم البَيِّنَةَ؛ أن الدَّارَ له، غَصَبَهَا المُدَّعَى عليه منه، وأَقَامَ الآخَرُ البَيِّنَةَ أن من في يَدِهِ أَقَرَّ له، فليس (٢) بين هَاتَيْنِ البَيِّنَتَيْنِ منافاة، فيثبت المِلْكُ والغَصْبُ بالبَيِّنَةِ الأُوْلَى، وإذا ثَبَتَ ذلك، لُغِيَ إقرار الغاصب، لغير المَغْصُوبِ منه. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الفَرْعُ الثَّانِي: البَيِّنَةُ المُطْلَقَةُ لاَ تُوجِبُ تَقَدُّمَ زَوَالِ المِلْكِ عَلَى مَا قَبْلَ البَيِّنَة حَتَّى لَوْ شَهِدَ عَلَى دَابَّةٍ فَنِتَاجُهَا قَبْلَ الإِقَامَةِ لِلمُدَّعى عَلَيْهِ، وَالثَّمَرَةُ البَادِيَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ أَيْضَاً كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الجَنِينَ حَالَ الشَّهَادَةِ لِلمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَ انْفِصَالُة بِالبَيْعِ وبِالوَصِيَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَالمذْهَبُ أَنَّ المُشْتَرِيَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى البَائِعِ، بَل لَوْ أَخَذَ مِنَ المُتَّهِبِ أَوْ مِنَ المُشْتَرِي رَجَعَ الأَوَّلُ أَيْضَاً، وَيُحْمَلُ مُطلَقُهُ إِذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى المُشْتَرِي قَبْلَ إزَالَةِ مِلْكِهِ منْهُ عَلَى أَنَّ المِلْكَ سَابِقٌ فَيُطَالِبُ البَائِعَ بالثَّمَنِ، وَعَجِيبٌ أنْ يُتْرَك فِي يَدِهِ نِتَاجٌ حَصَلَ قَبْلَ البَيِّنَةِ وَبَعْدَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى البَائِعِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ الأَصْحَابُ الكَلاَمَ كَذَلِكَ فَلاَ يَبْعدُ أنْ يُقَالُ: لاَ يُرْجَعُ إلاَّ إِذَا ادَّعِيَ مِلْكٌ سَابِقٌ عَلَى شِرَاِئهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: بَيِّنَةُ المُدَّعِي لا تُوجِبُ ثُبُوتَ المِلْكِ له، ولكنها تُظْهِرُهُ، فيجب أن يكون المِلْكُ سَابقاً على إِقَامَتِهَا. ولكن لا يُشْتَرَطُ السَّبْقُ بزمان طَوِيلٍ، بل يكفي لِصِدْقِ الشُّهُودِ بلحظة لَطَيفَةٍ، فلا يُقَدَّرُ ما لا ضَرُورَةَ إليه حتى لو أَقَامَ البَيِّنَةَ على مِلْكِ دَابّةٍ، أو شجرة، لم يَسْتَحِقَّ النِّتَاجَ، والثمرة، الحاصلتين قبل إِقَامَةِ البَيِّنَةِ.

والثمرة الظَّاهِرَةُ عند إِقَامَةِ البينة تَبْقَى للمدعى عليه (٣)، وفي الحَمْلِ الموجود عندها وجهان:

أظهرهما: أن المُدَّعِي يَسْتَحِقُّهُ، ويكون تَبَعاً للأُمِّ كما في العُقُودِ.

والثاني: المنع، ويجوز أن يكون الحَمْلُ لغير مَالِكِ الأُمِّ بسبب وَصِيَّةٍ بالحمل (٤).

وقَضِيَّةُ هذا الأَصْلِ أن يقال: من اشْتَرَى شَيئاً فَادَّعَاهُ مُدَّعٍ، وأخذ منه بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ، لم يكن له أن يَرْجِعَ على بَائِعِهِ بالثَّمَنِ، لجواز أن يكون المِلْكُ مُنْتَقِلاً من


(١) في ز: آخرون.
(٢) في أ: ليس.
(٣) وقيمته القطع به لكن في المسألة وجهان لابن سريج حكاهما المحاملي في التجريد في كتاب البيوع.
(٤) وجعله المنع وجهاً ممنوع وإنما هو احتمال أبداه الإِمام والمنقول الأول من غير خلاف، وقد حكاه الإِمام عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>