للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فرع]

نقل القاضي الرُّوَيانِيُّ في "جَمْع الجَوَامِعِ": أن قَوْلَ القاضي لِلْمُدَّعِي: أتحلف أنت؟ كقوله: احلف حتى لا يَتَمَكَّنَ الَمُدَّعَى عليه من الحَلِفِ بعد ذلك. قال: وعندي فيه نَظَرٌ. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ المُدَّعِي إِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ كَحَلِف المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ حَلَفَ فَهُوَ كَإقْرَار الخَصْم أَوْ كَبَيِّنَتِهِ فِيْهِ خِلاَفٌ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الحَقَّ بِهِ، وَإِنْ قَالَ المُدَّعِي: أَمْهِلُونِي أَمْهَلْنَاهُ ثَلاَثاً لِأَنَّهُ عَلَى اخْتِيَارِه فِي تَأْخِيرِ الطَّلَبِ، أَمَّا المُدَّعَى عَلَيْهِ فَلاَ يُمْهَلُ، فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ بَعْدَ ثَلاَثٍ بَطُلَ حَقُّهُ مِنَ اليَمِينِ كَانَ كَنُكُولهِ، وَفيهِ وَجهٌ أَنَّهُ عَلَى خِيرَتِهِ أَبَدَاً، وَكَذَا الكَلاَمُ فِيْمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَاً وَأَرَادَ أن يَحْلِفَ مَعَهُ ثُمَّ نَكَلَ فَالصَّحِيحُ أنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلاَّ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المُدَّعِي إذا رُدَّتِ اليَمِينُ عليه؛ إما أن يَحْلِفَ، أو يَمْتَنِعَ.

الحالة الأولى: أن يَحْلِفَ فَيَسْتَحِقُّ المُدَّعَى، ويَمِينُهُ بعد نُكُولِ المُدَّعَى عليه بمنزلة بَيَّنَةٍ يُقِيمُهَا، أو بمنزلة إِقْرَارِ المُدَّعَى عليه؟ فيه قولان:

أحدهما: أنها كالبَيِّنَةِ؛ لأن الحُجَّةَ اليَمِينُ، واليَمِينُ وُجِدَتْ منه.

وأصحهما: وهو المَنْصُوصُ في "المختصر" ثم بَاب النُّكُولِ: أنها بِمَثَابَةِ إِقْرَارِ المدعى عليه؛ لأنه بنكوله تَوَصَّلَ إلى الحَقِّ؛ فَأشْبَهَ إِقْرَارَهُ (١).

وللقولين فُرُوعٌ كثيرة مَذْكُورَةٌ في مَوَاضِعِهَا.

ومنها: أن المُدَّعَى عليه لو أقام بَيِّنَةً على أَدَاءِ المَالِ، أو على الإِبْرَاءِ عنه بعدما حَلِفَ المُدَّعِي؛ فإن جعلنا يَمِينَهُ كبينة (٢) سمِعَتْ بَيِّنَةُ المُدَّعَى عليه، وإن جَعَلْنَاهَا كإقْرَار المُدَّعَى عليه، لم تُسْمَعْ، لكونه (٣) مُكَذِّباً لِلْبَيِّنَةِ بالإِقرار (٤).


(١) قال الشيخ البلقيني: محل ذلك في غير حد الزنا، أما النكول في الزنا فلا يوجب الحد سواء قلنا كالبينة أو كالإقرار.
(٢) في ز: كبينته.
(٣) في ز: لنكوله.
(٤) قال الشيخ البلقيني: قوله: "وإن قلنا كالإقرار فلا" ممنوع؛ لأن الإِقرار تقديراً ليس فيه تكذيب، كذا قاله في حاشيته وزاد في التصحيح فَقال: وهو الذي ذكره الرافعي في كتبه وتابعه المصنف عليه هو شيء انفرد به القاضي الحسين وهو ضعيف، والمذكور في التهذيب في صورة الداخل والخارج يرد على ما ذكره الرافعي هنا، وقد جزم الرافعي فيها على ما في التهذيب، والذي في التهذيب أن بينة الداخل تسمع كما لو أقام الخارج البينة، ثم أطال في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>