للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فروع]

الرُّجُوعُ في الهِبَة حيثُ يثبت لا يفتقرُ إلَى قضاءِ القاضي، خلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه- ولو رجَع ولَمْ يستردَّ المال، فهو أمانةٌ في يد الابْن، بخلافِ المبيعِ في يَد المُشْتَرِي بعْد فسْخ البيع، وفَرَقُوا بيْنهما بأنَّ المشتري أخذه على حكْمِ الضَّمان.

ولو أنْفَقَ الواهبُ والمتَّهِب عَلَى فسْخ الهبةَ حَيْث لا رجوعَ، فينفسخُ كما لو تقايلا، أو لا ينفسخُ كالخُلع؟ فيه وجهان عن "الجُرْجَانِيَّات" والله أعلم (١).

قَالَ الغَزَالِيَّ: الثَّانِي: الهِبَةُ المُطْلَقَةُ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَبِيرِ إِلَى الصَّغِيرِ لَمْ تَقْتَضِ ثَوَاباً، وَكَذَا إِنْ كَانَ مِنَ النَّظِيرِ عَلَى الأَظْهَرَ، وَلَوْ كَانَ إِلَى الكَبِيرِ مِنَ الصَّغِيرِ فَقَوْلاَنِ: الجَدِيدُ: أنَّهُ لاَ ثَوابَ (م)، والقَدِيمُ: أنَّهُ يَلزَمُهُ (ح) لِلعُرْفِ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ مَا يَرْضَى بِهِ الوَاهِبُ (م)، وَقِيلَ: قَدْرُ القِيمَةِ، وَقِيلَ: مَا يَزِيدُ (م) عَلَى القِيمَةِ وَلَوْ بِقَلِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ مَا هُوَ الثَّوَابُ رَجَعَ فِيهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تكلَّمنا في أحَد أقْسَامِ الهبَة، وهو الهبةُ المقيَّدة بنَفي الثواب، وفرَّعنا على المذْهَبِ الصَّحيح في صحَّة هذه الهبة. وفيه وجّة: أنَّها لا تصحُّ، إذا أوجبنا الثوابَ بمُطْلَقِ الهبَة؛ لأنَّه شرْطٌ يخالفُ مقْتضاها.

والقِسْمُ الثاني: الهبةُ المطْلَقة، ويُنْظَر فيها، إنْ وهبَ الأعلَى منْ الأدنى، فلا ثوابَ لَهُ، إذ لا يقتَضِيهِ اللفْظُ ولا العادَةُ، وإنْ كان بالعكس فقولان:

أحدهما: أنه لا يلزمُ الثَّواب أيْضاً، وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رضي الله عنهما- لأنه لو أعارَ دَاراً لا يلْزَمُ المستعير شَيْءٌ، فكذلك إذا وهَبَ؛ إلحاقاً للأعيان بالمنافع.

والثاني: وبه قالَ مالكُ: يلزَمُهُ؛ لاطراد العَادَةِ به.

وقد رُوِيَ عن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ قال: مَنْ وَهَبَ هِبةً يرْجُو ثوابَها، فهو ردٌّ على صاحِبِهَا ما لَمْ يَثبُتْ منها (٢) ولا بدَّ الآن منْ معرفة أمرَيْن:


(١) قال النووي: لا يصح الرجوع إلا منجَّزًا. فلو قال: إذا جاء رأس الشهر، فقد رجعت، لم يصح. قال المتولي: لأن الفسوخ لا تقبل التعليق.
(٢) رواه مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف أن عمر قاله وقال الحافظ في التلخيص وأتم منه، ورواه البيهقي (٦/ ١٨١) من حديث ابن وهب عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن عمر نحوه، قال: ورواه عبيد الله بن موسى عن حنظلة مرفوعاً، قال الحافظ في التلخيص وهو وهم، قلت: صححه الحاكم وابن حزم، قال: وقيل: عن عبيد الله بن موسي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة مرفوعاً: الواهب أحق بهبته ما لم يثب =

<<  <  ج: ص:  >  >>