للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحْبَال؛ لأنَّه يحرِّمُها على الأب، والمَذْهَبُ خلافُه.

وأمَّا أنَّ الرُّجُوعَ لم يَحْصُلْ، وهذا مما لم يتعرَّض له في الكتاب، فيحْصُل الرجوعُ بقَوْله: رجَعتُ فيما وهبْتُ، وارتجعت واستردَدتُّ المَال -أو رددتُّه إلى ملكي، وأبطلْتُ الهبةَ ونقَضْتُها، وما أشبه ذلك- هكذا أطلقوه لكن حكَى أبو العباس الرُّويانيُّ في "الجُرْجَانِيَّاتِ" وجهين في أنَّ الرُّجُوع، هلْ هو نقضٌ وإبطالٌ للمِلْك في الهِبَة أم لا؟

أحدهما: لا؛ لأنَّه لو كانَ نَقْضاً لَمَلَكَ الواهبُ الزياداتِ الحَاصِلَةَ من الموهُوب.

والثاني: نعَمْ، كما أنَّ الإقالةَ فَسْخٌ ونَقْضٌ للبيع، وإنَّما لا تستردُّ الزيادة، لحُدُوثها عَلَى ملك المتَّهِب، كما لا تستردُّ في الإقالة، فعلى الأوَّلِ؛ ينبغي ألا يُستعمَل لَفْظ النقض والإبطال إلاَّ أنْ يجعل كنايةَ عن [المقصودِ، وقد ذكر الرُّويانيُّ في هذا، أنَّ اللَّفظَ الَّذي يُجعَل به الرَّجُوع ينقَسِمُ إلى صَرِيح، وهو قوله: رجَعْتَ، وإلى كناية] (١) تفتقرُ إلى النِّية؛ كقوله: أبطلتُ الهبةَ وفَسَخْتُهَا، ولو لم يَأْتِ بلفظٍ، ولكن باع الموهوب، أو وهبه مِنْ غيره، أو وقفه، فوجهان:

أَحَدُهُما: أنَّه رُجُوعٌ، كما أنَّ هذه التصرُّفاتِ في زمانِ الخيارِ فسْخ للبيع.

وأصحُّهُمَا: المنْع؛ لأنَّ الموهُوبَ مِلْكُ الابن بدلَيْلِ نفُوذ تصرُّفاته فيه، فيلغُو تصرُّف الأب فيه، وهذا كما أنَّه لو ثبَتَ له الفسْخُ بالعَيْب، فتصرَّف فيه لم يحْصُل به الفسْخُ، ويخالف المبيع في زمان الخِيَار؛ بأن الملك فيه ضعيفٌ.

فإن قلْنا بحُصُول الرُّجُوع، قال في، "التهذيب": في صحَّة البيع والهبة وجهان، كما في البَيْع في زمانِ الخِيار، ويجري الوجهان في حُصُول الرجوع، إذا أتلف الطَّعامَ المَوْهُوبَ، أو أعتق العَبْد أو وطئ الجَارِيَة وأشارَ الإمَامُ إلى وجّهٍ ثالَث؛ وهو أنَّ مجرَّد الوطْء ليْسَ برجوع، لكن إذا أحْبَلَها، وحَصَل الاستيلاد كان راجعاً.

وعلى الصَّحيح؛ يلزمه بالإتلاف القيمة ويلْغُو الإعتاقُ، وعلَيْه بالوطْءِ مَهْرُ المثل، وبالاستيلاد القيمةُ (٢). ولو صبَغ الثَّوْبَ الموهوب، أو خلَطَ الطعامَ بطَعَامِ نَفْسِهِ، لم يكن راجِعاً، بل هو كما لو فَعَل الغاصبُ ذلك.


(١) سقط من: ب.
(٢) قال النووي: ولا خلاف أن الوطء حرام على الأب وإن قصد به الرجوع، كذا قاله الإمام. لاستحالة إباحة الوطء لشخصين، ولا خلاف أن المتهب يستبيح الوطء قبل الرجوع. لكن إذا جرى وطء الأب الحرامُ، هل يتضمن الرجوع؟ فيه الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>