للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَصْلُ العَاشِرُ فِي طَوَافِ الوَدَاعِ

قال الغزالي: وَهُوَ مَشْرُوعٌ إِذَا لَمْ يَبْقَ شُغْلٌ وَتَمَّ التَّحَلُّلُ، فَلَوْ عَرَّجَ بَعْدَهُ عَلَى شُغْل بَطُلَ إلاَّ فِي شَدِّ الرِّحَالِ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَفِي كَونهِ مَجْبُوراً بِالدَّمِ قَوْلاَنِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى غيْرِ الحَاجِّ، وَمَهْمَا انْصَرَفَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ مَسَافَةِ القَصْرِ وَتَدَارَكَ جَازَ، وَالحَائِضُ لاَ يَلْزَمُهَا الدَّمُ بِتَرْكِ طَوَاف الوَدَاعِ، فَإِنْ طَهُرَت قبْلَ مَسَافَةِ القَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهَا العَوْدُ بِخِلاَفِ المُقَصِرِ بَالتَّرْكِ، وَقِيلَ فِي المَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ حَاصِلُهُمَا: أَنَّ الوَدَاعَ يَفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ الحَرَمِ أَوْ مُجَاَوَزَةِ مَسَافةِ القَصْرِ.

قال الرافعي: طَوَافُ الوَدَاعِ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِعْلًا وَقَولاً (١).

أما الفعل فَظَاهِرٌ، وأما القول فنحو ما روي عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَتَفَرَّقْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْحَائِضِ" (٢). ومضمون الفصل صور نشرحها ونضيف إليها مَا لا غنًى عنه.

إحْدَاها: ذكر الإمام في "النهاية" أن طواف الوداع من مَنَاسِكِ الحَجِّ وليس على الخارج من مَكَّة وداعٌ لخروجِهِ مِنْهَا، وتابعه صَاحِبُ الكِتَاب لأنه قال: وهو مشروع إذا لم يَبْقَ شُغْلٌ وتم التحلل، فخَصَّهُ بِحَالِ تمام التَّحَلُّلِ، وذلك إنما يكون في حَقِّ الخارج وأيضًا فقد صَرَّحَ مِنْ بعد وقال: ولا يجب على غَيْرِ الخَارج لكن صَاحِبَا "التهذيب" و"التتمة" وغيرهما أوردوا أن طَوَاف الوَدَاعِ ليس من جملة المَنَاسِكِ حتى يؤمر به من أراد مفارقة مَكَّة إِلَى مسافة القَصْرِ، سواء كان مَكِّياً يريد سفراً أو آفاقياً يريد الرجوع إلى أَهْلِهِ، وهذا أقرب تعظيماً للحرم وتشبيهاً لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله الإحرام، ولأنهم اتفقوا على أنه المَكِّيَ إذا حَجَّ وهو عازم على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطَوَافِ الوَدَاع، وكذا الآفاقي إذا حَجَّ وأراد المقام بها، ولو كان من جُمْلَةِ المَنَاسِكِ لَأشبه أن يعمَ الحَجيج.

وعن أبي حنيفة -رحمه أن- أن الأفاقي إن نوى الإِقَامة بعد أن حَلَّ له النَّفْرُ لم يسقط عنه الوداع.


(١) أخرجه البخاري (١٧٥٦) من رواية أنس -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه مسلم (١٣٢٧) بدو الاستثناء، وأخرجه البخاري (١٧٥٥) ومسلم (١٣٢٨) ولفظه: (أمر الناس أن آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض).

<<  <  ج: ص:  >  >>