للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلَقِّيَ المِلْكِ عنه، وذلك لأن المُقرَّ مُؤَاخَذٌ بِإقْرَارِهِ في المستقبل. ألا ترى أن من أَقَرَّ أَمْس يُطَالَبُ به اليَوْمَ؟ ولولا ذلك، لم يكن في الإِقْرَارِ كَثِيرُ فَائِدَةٍ. وإذا كان كذلك، فَيُسْتَصْحَبُ ما أَقَرَّ به، إلى أن يثبت الانْتِقَالُ.

ومن أُخذَتْ منه بينة قامت، ثم جاء يَدَّعِيهَا، فهل يحتاج إلى ذِكْرِ التَّلَقِّي منه؟ فيه وجهان:

وجه قولنا: نعم، إنه صار مُلْزَماً بتلك الحُجَّةِ، فَيُؤَاخَذُ بموجبها، كما لو أَقَرَّ.

ووجه الثَّانِي: إِلْحَاقُهُ بالأَجَانِب، ولا خِلاَفَ أنَّه لو ادَّعَى عليه أَجْنَبيٌّ وأَطْلَقَ يُسْمَعُ. وما الأَظْهَرُ من هذين الوجهين؟؟ ذَكَرَ بَعْضُ أصحاب الإِمام ذَهَابَ الأَكثرين إلى أنَّه لاَ بُدَّ من ذكر التَّلَقِّي، لكنا حَكَيْنَا عن الأصحاب -رحمهم الله-: في أحوال، إِقَامَة الداخل البَيِّنة أنَّه لو أقامها بَعْدَ ما انْتُزِعَتِ العَيْنُ منه، هل تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؟ وهل يُقْضَى له؟ وبَيَّنَّا أن الأَصَحَّ، السَّمَاعُ، والقَضَاءُ، وذلك الاختِلاَفُ مَفْرُوضٌ فيما إذا أَطْلَقَ دعوى المِلْكِ، ولم يذكر التَّلَقِّي.

فأما إذا ادَّعَى التَّلَقِّي، فلا بد أن تسمع دعواه، وقد صَرَّحَ به أبُو الحَسَنِ العبادي.

وإذا كان الاخْتِلاَفُ في إطْلاَقِ الدَّعْوَى، ورجَّحْنَا وَجْه السَّمَاع، لَزِمَ أن يكون الرَّاجِحُ هاهنا أنَّه لا حَاجَةَ إلى ذِكْرِ التَّلَقِّي.

[فروع]

أكثرها عن ابْنِ سُرَيْجٍ: أقام الخَارجُ بَيِّنَةً على أن هذه العَيْنَ مِلْكِي، غَصَبَهَا منى الدَّاخِلُ. أو قال: أَجَّرْتُهَا منه، أو أَوْدَعْتُهَا إياه، وأقام الداخل بَيِّنَةً على أنَّه مِلْكهُ، فَأَحَدُ الوجهين: أنَّه يُقْضَى لصاحب اليد. هذا ما صَحَّحَهُ صاحب "التهذيب".

والثاني: وهو المَنْقُولُ عن ابن سُرَيْجٍ: أنَّه يُقْضَى للخارج. وهذا ما ارْتَضَاهُ العراقيون، وبه أجاب القاضي أبو سَعْدٍ. ولو لم تكن بَيِّنَةٌ، ونَكَلَ الدَّاخِلُ عن اليمين، فَرُدَّتْ على الخارج، وحُكِمَ له، ثم جاء المُدَّعَى عليه ببَيِّنَةٍ، تُسْمَعُ. كما لو أَقَامَهَا بعد بَيِّنَةِ المدعي. وفيه وجه: أنها لا تُسْمَعُ، بِنَاءً على أن النُّكُولَ، وَردَّ اليمين، كالإقرار (١).


(١) قال في القوت: ظاهر هذا ترجيح القول بأن اليمين المردودة كالبينة لا كالإِقرار عكس المرجح فيما تقدم، وسبقه بذلك في المهمات وادعى أن المصحح المذكور هناك.
وقال في الخادم: بل الصحيح المذكور هنا لأن كونه بمنزلة الإِقرار أمر تقديري لا تحقيقي ولم يصدر منه ما يقتضي تكذيب البينة صريحاً، وأخذه من كلام شيخه البلقيني، وحاصل كلامه وكلام شيخه أنها تسمع مع قولنا أنها كالإِقرار وعلى هذا فلا تناقض.

<<  <  ج: ص:  >  >>