قال الرَّافِعِي: التفليس: النداء على المُفْلِس وإشهاره بصِفَةِ الإِفْلاَسِ، ولفظ الإفلاس مأخوذ من الفلوس، وقولهم: أفلس الرجُل كقولهم: أَخبث أي صَارَ أصحابه خُبَثَاءَ؛ لأن ماله صار فُلُوساً وزُيُوفاً، ولم يبق ماله خطر، أو كقولهم: أذل الرجل إذا صَارَ إلى حالٍ يُذَلُّ فيها؛ لأنه صار إلى حالة يقال: ليس معه فَلْسٌ، أو يقال فيها: لم يبق معه إلا الفلوس، أو كقولهم: أسْهَل الرجل وأحزن إذا وصل إلى السَّهْل والحزن؛ لأنه انتهى أمره وتصرفه إلى الفلوس، هذا في اللغة.
وأما في الشرع: فقد قال الأئمة - رحمهم الله -: المُفْلِسُ من عليه دُيُونَ لا يَفِي بِهَا مَالُه، ومثل هذا الشَّخْصِ يجوز للحَاكِمِ الحَجْرُ عَلَيْهِ بِالشَّرَائِطِ التي نذكرها، وإذا حَجَر عليه ثبت حكمان:
أحدهما: تعلق الدَّيْنِ بماله حتى لا ينفذ تصرفها فيه بما يضر الغرماء، ولا تزاحمهم الدّيون الحادثة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والثاني: أن من وجد عند المفلس عين ماله كان أحق به من غيره.
ولو مات مفلساً قبل أن يحجر عليه تعلقت الديون بالتركة على ما مَرّ بيانه، ولا فرق بين المُفْلِس وغيره. وأما الحكم الثاني: فإنه يثبت ويكون بموته مُفْلِساً كالحجر عليه.
وقال مالك: يحجر عليه ويثبت التعلق والرجوع، ولكنهما لا يثبتان بالمَوْتِ، وحكى أصحابنا عن أحمد -رضي الله عنه- مثل مذهبنا، ورأيت في كُتُبِ بَعْضِ أصحابه