للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك حيث لا يمكن الحفر، وأنهم لو كانوا في البحر، فَطَرحَ الميت في الماء، فأخذ [آخذ] (١) كفنه، فلا قطع عليه؛ لأنه ظاهر، فهو كما لو وُضِع الميت على شفير القبر، فأخذ سارق كفنه. ولو غيبه الماء، فغاص سارق، وأخذ الكفن، لم يُقْطَع أيضًا؛ لأن طرحه في الماء لا يعد إحرازًا. وهو كما لو وضعه على الأرض، فغيبته الريح بالتراب. وقد يتوقف في هذا والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: (الجِنَايَةُ السَّادِسَةُ: قَطْعُ الطَّرِيقِ) وَالنَّظَرُ فِي ثَلاَثَةِ أَطْرَافٍ: (الأَوَّلُ: صِفَتُهُمْ) وَهِيَ الشَّوْكَةُ وَالْبُعْدُ مِنَ الغَوْثِ، وَمَنْ لاَ شَوْكَةَ لَهُ فَهُوَ مُخْتَلِسٌ فَيُعَزَّرُ، وَمِنَ الشَّوْكَةِ أَنْ يَعْتَمِدَ القُوَّةَ فِي مُغَالَبَةِ المُسَافِرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الذُّكُورَةُ (ح) وَلاَ شَهْرُ السِّلاَح (ح) وَلاَ العَدَدُ، بَلِ المَرْأَةُ الواحِدَةُ لَوْ غَالَبَتْ بِفَضْلِ قُوَّةٍ فَهِيَ قَاطِعَةُ طَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَوْكَةٌ وَلَكِنِ اسْتَسْلَمَ الرِّفَاقُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَقَاوَم الفَرِيقَانِ وَتَقَاَتَلُوا فَأَخَذُوا المَالَ فَهُمْ قُطَّاعٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَخْذِ المَالِ بَعْدَ المُقَاطَعَةِ فَهُمْ قُطَّاعٌ عَلَى الأَصَحِّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: ٣٣] الآية. وعند أكثر العلماء، ومنهم حبرَ القرآن (٢) ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الآية واردة في حق قُطَّاع الطريق (٣) مِن المسلمين دون أهل الكفر والمرتدين. واحتجوا لذلك بقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] الآية.

وتوبة الكافر في أيهما تسقط العقوبة عنه؛ لا يختلف بين أن يُوجَد قبل القدرة عليه، أو بعدها. ولم يقيموا وزنًا لقول من قال: إن المؤمن [من] لا يُحارِب الله ورسوله، وقالوا: لفظ المحاربة ينتظم عند الجرأة بالمخالفة، والعصيان. ألا ترى أن الله تعالى يقول [للمرابين] (٤): {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩]. ولا بد في الباب من معرفة قُطَّاعِ الطريق، وعقوبتهم وحكم تلك العقوبة، استيفاءً، وسقوطًا.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: حينئذٍ
(٣) سمي بذلك لامتناع الناس من سلوك الطريق خوفًا منه. والأصل فيه قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الآية.
قال جمهور المفسرين: نزلت في قاطع الطريق لا في الكفار واحتجوا بقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} إن المراد التوبة عن قطع الطريق، ولو كان المراد الكفار لكانت توبتهم بالإِسلام وهو دافع للعقوبة قبل القدرة وبعدها.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>