للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَفي الْكِتَاب ثَلاَثَةُ فُصُولٍ.

الفَصْلُ الأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الأَوَّلُ: الاعْتِكافُ وَهُوَ عَبَارَةٌ عَنِ اللُّبْثِ فِي المَسْجِدِ سَاعَةً مَعَ الكَفِّ عَنِ الجِمَاعِ، وهَلْ يُشْتَرَطُ الكَفُّ عَنْ مُقَدِّمَاتِ الجِمَاعِ؟ فِيه قَوْلاَن، وَلاَ يُشْتَرَطُ (ح وم) اللُّبْثُ يَوْماً وَلاَ يَكْفِي العُبُورُ.

قال الرافعي: مقصود الفَصْل الأول: الكلام في أركان الاعتكاف، وهي فيما عدها أربعة: الاعتكاف، والنية، والمعتكِف، والمعتَكف.

الأول: الاعتكاف: وهو عبارة عن المقام في اللّغة، يقال عكف واعتكف، أي: أقام. وأما في الشريعة: فقد فسره في الكتاب باللُّبْثِ في المَسْجِد ساعة مع الكَفِّ عن الجِمَاع، وفيه اعتبار أمور:

أحدها: اللُّبْث وقد حكى الإمام -رحمه الله- في اعتباره وجهين:

أظهرهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه لا بُدَّ منه؛ لأن لفظ العكوف مشعر به. والثاني: أنه يكفي مجرد الحُضُور، كما يكفي الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحَجّ. ثم فرع على الوجهين فقال: إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعُبُورِ حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف، وإن اعتبرنا اللُّبْثَ لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في أركان الصَّلاة، بل لا بد وأن يزيد عليه بما يسمى إقامةً وعكوفاً، ولا يعتبر السّكون، بل يصح اعتكافه قاعداً، وقائماً ومتردداً في أرْجَاء المسجد، ولا يقدر اللُّبْثُ بزمان، حتى لو نذر اعتكاف سَاعَةً انعقد، ولو نقدر اعتكافاً مطلقاً خرج عن عهدة النذر بأن يعتكف لَحْظَة، واستحب الشافعي -رضي الله عنه- أن يعتكف يوماً، وذلك للخروج من الخلاف، فإن مالكاً وأبا حنيفة -رحمه الله- لا يجوزان اعتكاف أقلّ مِنْ يوم، ونقل الصَّيْدَلاَنِي وَجْهاً: أنه لا بد من مُكْثٍ يَوْماً، أو ما يدنو من يوم (١)؛ لأن ما دون ذلك معتاد في الحاجات التي تعنُّ في المَسَاجد، فلا تَصْلَح للقربة، وقد عرفت مما ذكرنا أن قوله: (ولا يشترط اللُّبْث يوماً) ينبغي أن يرقم بالميم والحاء والواو.

وقوله: (ولا يكفي العبور) بالواو، ويجوز أن يرقم به لفظ "اللُّبْث" أيضاً في قوله: (وهو عبارة عن اللبث) ولا يخفى أن قوله: (ساعة) ليس المراد منه الواحدة من السَّاعات التي يقسم اليوم والليلة عَلَيْهَا، ولا سبيل إلى حملة على اللّحظة وإن لطفت؛ لما ذكر الأئمة أنه لا بُد وأن يزيد على زَمَانِ الطمأنينة، ولأنه لو حمل على هذا المعنى


(١) قال النووي: ولو كان يدخل ساعة ويخرج ساعة، وكلما دخل نوى الاعتكاف صح على المذهب. وحكى الروياني فيه خلافاً ضعيفاً. ينظر الروضة (٢/ ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>