وعند مالك: هي في العشر، ولا ترجيح لِبَعْضِ اللَّيالي على البعض.
وعند أبي حنيفة وأحمد -رحمهما الله- هي ليلة السَّابعِ والعِشْرِين، وهذا الذي ذكروه لا ينافي قوله في الكتاب:(وهي في أوتار العشر الأخير) فلا نعلمه بعلاماتهم، ولكن يجوز أن نعلمه بالحاء، لأنه روي عنه أنها محتملة في جَمِيع السَّنة، وروي في جميع الشّهر، والروايتان مستنبطتان مما نقل عنه أنه لو قال لزوجته:"أول يوم من رمضان أنت قال ليلة القدر" لا تطلق إلا مثل ذلك اليوم من السَّنة الأخرى.
وعن ابن خزيمة من أصحابنا: أن ليلة القَدْرِ منقولةٌ في ليالي العَشْرِ تُنْقَلُ في كل سنة إلى ليلة جمعاً بين الأخبار، وقوله:(وقيل: إنها في جميع الشهر) يشعر بأنه وجه للأصحاب، وقوله:(ولذلك لو قال لزوجته في منتصف شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق إلا إذا مضت سنة) يشعر بأن المسألة مجزوم بها موجهة للوجه المنقول، وقد حكى في "الوسيط" المسألة هكذا عن نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- وكل واحد من نقل الوجه وتوجيهه محل التَّوقف.
أما النقل فلأنك لا تكاد تجد رواية احتمالها في جميع ليالي الشَّهر، عن الأصحاب في شيء من كتب المذهب (١).
وأما التوجيه، فلأن ما أجاب به في مسألة الطَّلاق يخالف ما نقله الأئمة، فإنهم قالوا: إذا قال لامرأته: أنت طالق ليلةَ القَدْرِ فإن قاله قبل شَهْرِ رمضان، أو في رمضان قبل مُضِىِّ شَيْءٍ من ليالي العشر طلقت بانقضاء الليالي العشر، وإن قاله بعد مُضِيّ بعض لياليها لم تطلق إلى مُضِيِّ سنة، هكذا نقل الشَّيخ أبو إِسْحَاق في "المهذب"، والإمام وغيرهما، ولم تر اعتبار مضي سنة في المسألة المذكورة إلا في كتب صاحب الكتاب.
وقوله:(إن الطلاق لا يقع بالشك، لكنه يقع بالظن الغالب). قال إمام الحرمين: الشافعي -رضي الله عنه- متردد في ليالي العَشْرِ، ويميل إلى بعضها ميلاً ضَعِيفاً، وانحصارها في العشر ثابت عنده بالظَّنِّ القَوِيِّ، وإن لم يكن مقطوعاً به، والطَّلاق يناط وقوعه بالمَذاهب المَظْنُونَةِ. -والله أعلم-.
(١) قال النووي: قد قال المحاملي وصاحب "التنبيه": تطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان. وقول الإمام الرافعي في أول المسألة: طلقت بانقضاء ليالي العشر، فيه تجوز تابع فيه صاحب "المهذب" وغيره. وحقيقته: طلقت في أول الليلة الأخيرة من العشر. وكذا قوله: إن قاله بعد مضي بعض لياليها، لم تطلق إلى مضي سنة، فيه تجوز، وذلك أنه قد يقول لها في أواخر اليوم الحادي والعشرين، فلا يقف وقوع الطلاق على سنة كاملة، بل يقع في أول الليلة الحادي والعشرين. ينظر الروضة (٢/ ٢٥٧).