للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّمْسِ يوم العشرين، حتى لا يفوته شيء من ليلة الحَادِي والعِشرِين، ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، ولو مكث ليلة العيد فيه إلى أن يصلّى فيه العيد، أو يخرج منه إلى المُصَلَّى كان أولى.

وأما الثَّاني. فاعلم أن ليلة القدر أفضل ليالي السَّنة، خَصَّ الله تعالى بها هذه الأمة، وهي باقية إلى يوم القيامة، وجمهور العُلَماء وفيهم الشَّافعي -رضي الله عنهم- على أنها في العشر الأخير من رمضان، وهي في أوتارها أرْجَى، لِما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ" (١) ومَيْلُ الشَّافعي -رضي الله عنه- إلى أنها ليلة الحادي والعشرين؛ لما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَاماً، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْرُجُ فِي صَيَحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، قَالَ: قَدْ رَأَيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَرَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي صَبيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وَتْرٍ، فَأَفْطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوِّكَفَ الْمَسْجِدُ"، قال أبو سعيد: فَأَبْصَرَت عَينَايَ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ إِلَيْنَا، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ" (٢).

وأبدى في بعض المواضع الميل إلى ليلة الثَّالث والعشرينِ، لما روي عن عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إِنِّي أَكُونَ بِبَادِيَتِي، وإِنِّي أُصَلِّي بِهِمْ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هذَا الشَّهْرِ، أَنْزِلُهَا الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: انْزِلْ فِي لَيْلَةِ ثَلاَثِ وَعِشْرِينَ" (٣). وجمع بين الليلتين في "المختصر فقال: ويشبه أن يكون في ليلة إحدى وعشرين، أو ثَلاث وعشرين، والمعنى في إخفاء الله تعالى هذه الليلة، حَمْل النَّاس على إحياء جَمِيع ليالي العشر بالعبادة، رجاء إصابتهما، وعلامة هذه اللَّيلة أنها طلقة لاَ حَارة، ولا بَارِدَة، وأن الشَّمس في صبيحتها تطلع بيضاء ليس لها كثير شُعَاعٍ (٤)، ويستحب أن يُكْثِرَ فيها من قول "اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (٥).


(١) أخرجه البخاري (٢٠١٧، ٢٠١٩، ٢٠٢٠) ومسلم (١١٦٩).
(٢) أخرجه البخاري (٢٠١٨) ومسلم (١١٦٧).
(٣) أخرجه أبو داود (١٣٨٠) ومسلم (١١٦٨).
(٤) قال النووي: قال صاحب "البحر": قال الشافعي -رحمه الله- في القديم: أستحب أن يكون اجتهاده في يومها، كاجتهاده في ليلتها. وقال في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر، فقد أخذ بحظِّه منها. ينظر الروضة (٢/ ٢٥٦).
(٥) فيه حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الترمذي والنسائي، وابن ماجه، والحاكم والبزار.

<<  <  ج: ص:  >  >>