للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمينان شرعاً، ولو فُتحَ بابُ تحليفهما، لاشتد الأمر، ورغب القضاة عن القضاء، والشهود عن أداء الشهادة (١).

وكذا الحكم لو قال للقاضي: قد عزلت، فأنكر، وعن الشيخ أبي حامد أن قياس المذهب التحليف في جميع ذلك، كسائر الأمناء إذا ادعيت عليهم خيانة. والله أعلم.

البَابُ الثَّانِي فِي جَامِعِ آدَابِ القَضَاءِ، وَفِيهِ فُصُولٌ

قَالَ الغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الأَوَّلُ فِي آدَابِ مُتَفَرِّقَةٍ: وَهِيَ عشَرَةُ آدَابٍ: الأَدَبُ الأَوَّلُ: أَنْ يُشِيعَ الوِلاَيَةَ قَبْلَ قُدُومِهِ، فَإِنْ قَدِمَ مِنْ غَيْرِ إشَاعَةٍ وَلاَ كِتَابٍ لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، فَإنْ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ مِنْ غَيْرِ شَاهِدَيْنِ فَفِي لُزُومِ الطَّاعَةِ بِمُجَرَّدِهِ وَجْهَانِ، وَحَيْثُ تَظْهَرُ أَمَارَةُ التَّلْبِيسِ يَجُوزُ التَّوقُّفُ لاَ مَحَالَةَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ليَكْتُبِ الإِمامُ كتاب العَهْد لمن يوليه القضاء (٢)، كما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ -رضي الله عَنْهُ- لَمَّا بعَثَهُ إلى اليَمَن (٣)، وكما كتب أبو بكرٍ لأنس


(١) قال في الخادم: المتبادر من كلامه أن المراد أن الدعوى على القاضي بالجور في الحكم صحيحه ويغرمه إذا كانت له بينة بما ادعاه لاحتمال أن ينكر فإن أنكر لم يحلف ويحتمل أن يكون مراده أنه لا تسمع عليه الدعوى بالجور ويستحضر بها إلا بعد إقامة البينة كما هو أحد الوجهين في المعزول ولا يحلف هنا إلا عند أبي حامد وزعم بعض المتأخرين أن قضية كلام الغزالي أن الدعوى على القاضي فاسدة وأن مقتضاه أنه لا تسمع البينة وهو صحيح لأنه نائب الشرع فقوله أصدق من البينة، وفي كلام الرافعي ما يقتضي سماع البينة كقوله ولا يغني إلا البينة ووافقه ابن الرفعة وليس بصحيح ويمكن أن يدل قوله ولا يغني إلا البينة على أن البينة تقام بالمحكوم به على مضادة الحكم الأول فينقض الحكم، انتهى. وهو حمل بعيد يأباه كلام الرافعي وقد جزم في باب القسمة بأنه لو أقام بينة ظلم القاضي يعني في الحكم سمعت وصرح به غيره وأما ما نقله عن قضية كلام الغزالي فإنما ذكره بالنسبة إلى دعوى أنه حكم له بكذا وأنكر لا في الدعوى عليه بالجور وهما مسألتان معاً صرح القاضي شريح في أدب القضاء بالخلاف في سماع الدعوى حيث قال لو ادعى على القاضي أنه قضى بشهادة فساق قال بعض أصحابنا لا تسمع هذه الدعوى ولو أمر بإقامة البينة وقال بعضهم تسمع الدعوى، فعلى هذا لو أنكره القاضي قيل لا يحلف وقال أبو حامد إنه قضية توجيه الشافعي رضي الله عنه منع التحليف بأنه لو حلف لاشتد الأمر ورغبت القضاة عن القضاء وإلا ففساد الزمان موجب التوقف عن إجراء كلامهم على إطلاقه، انتهى ما أردته منه.
وقوله وزعم بعض المتأخرين يعني به الشيخ السبكي وجميع ما ذكره أخذه من كلام طويل للأذرعي في القوت وترك أشياء.
(٢) قال الأذرعي أي استحبابًا وكذلك القاضي الكبير لمن يوليه في أعماله الخارجة عن موضع إقامته.
(٣) تقدم في "الديات".

<<  <  ج: ص:  >  >>