للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضي الله عنه- لما بعثه إلى "البَحْرَيْن" (١) وَعُمَرُ لابن مسعود -رضي الله عنه- لما بعثه قاضيًا إلى الكوفة (٢): ولُيَذْكُرْ فيه ما يَحْتَاج القاضِي إلى القيام به، وليعظْهُ فيه، ثم إذا كان يبعث إلى بلد آخر، فيُنْظَرُ، إن كان بعيدًا لا ينتشر الخبر إليه، فليشهد شاهدين على التولية على الوجه الذي تضمنه الكتاب، وليقرأه الإِمام عليهما، وإن قرأ غير الإِمام، فالأَحوط أن ينظر الشاهدان فيه ثم يخرج الشاهدان (٣) معه فيخبران بالحال هناك.

قال الأئمة -رحمهم الله-: وليس ذلك على قواعد الشهادات إذْ ليس هناك قاضٍ يؤدي عنده الشهادات، وإن كان البلد قريبًا ينتشر الخبر إليه ويستفيض، فإن أشهد شاهدَيْن يخرجان معه، كما ذكرنا، فذاك، وإلا، ففي الاكتفاء بالاستفاضة وجهان:

أحدهما: المنع، وبه قال أبو إسحاق؛ لأن التولية عقْدٌ، والعقود لا تثبت بالاستفاضة، كالإِجارة والوكالة.

وأظهرهما: الاكتفاء بها، وبه، قال الإِصطخريُّ إذ لم يُؤْثَرْ عنْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن الخلفاء بعده الإِشهادُ، بل كانوا يقنعون بالاشتهار وبالاستفاضة، ومن الأصحاب من يطلق الوجهين من غير فرق بين أن تكون البلَدُ بعيدًا أو قريبًا، ويشبه أَلاَّ يكون في هذا خلاف، ولكن الانتشار والاستفاضة، إنما يحصل في مدة، وتختلف المدةُ بحَسَب قرب المسافة وبعدها؛ فمن قال: لا بُدَّ في البلد البعيدة من الإِشهاد، إنما قاله؛ لأن الاستفاضة لا تحصل بها غالبًا في مدة مسير القاضي، ومن أطلق، فلأنه إذا تأخر مسيره لعارض حتى حصلت الاستفاضة، فلا فرق بين القرب والبعد.

وحَكَى في "الوسيط" وجهين في أن مجَرَّد الكتاب من غير استفاضة ولا شهادة شاهدَيْنِ، فهل تعتمد عليه؟.

أحدهما: نعم، لبعد الجرأة في مثل ذلك على الإِمام.

والثاني: لا، بل لا بدّ من عدلَيْن يخبران عن التولية، وهذا هو المفهوم من كلام عامة الأصحاب -رحمهم الله- وهو قياسُ أصْلِنا في امتناع الاعتماد على الخطِّ.

وقوله في الكتاب "من غير إشاعةٍ ولا كتابٍ"، ظاهره يقتضي أَلاَّ يكفي قول عدلَيْن، لكنا سنذكر أن الاعتماد في كتاب القاضي إلى القاضي على الشهود دون الكتاب، فليكن كذلك هاهنا.


(١) تقدم في الزكاة.
(٢) أخرجه البيهقي من طريق ابن عيينة عن عامر بن شقيق، أنه سمع أبا وائل يقول: إن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء وبيت المال، وذكر القصة.
(٣) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>