للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو نَكَحَ جديدتين يوفي حَقَّ الزفاف لهما جميعاً، وكذلك لو لم يكن في نكاحه غيرهما، ثم إن كان الزَّفَاف على الترتيب، فيقضي حقَّ الأُولَى أولاً، وإن زُفَّتَا إليه معاً، وهو مكروه، فَيَقْرَعُ بينهما للبداية وإذا خرجت القُرْعَة لإِحداهما، قدمها لجميع السبع أو الثلاث، وحكى القاضي ابن كج وَجْهاً أنه يقدمها بليلة، ثم يبيت عند الأخْرَى ليلةً وهكذا يفعل إلى تَمَام المُدَّة، وقوله في الكتاب "ثُمَّ لاَ يَقْضِي لِلْبَاقِيَاتِ" معلَّم بالحاء.

وقوله: "بل يستأنف القَسْمَ بعد ذلك" يعني إذا زُفَّتِ الجديدة إلَيْه بعد ما سَوَّى بين مَنْ في نكاحه من النسوة، فيوفيها حقها ثم يستأنف القسم بين الجميع فأما إذا كانت تحته امرأتان وزُفَّتْ إلَيْه جديدةٌ بعد ما قَسَمَ لإِحداهما دون الأُخْرَى فإِذَا قضى حَقَّ الزَّفَاف يقسم للقديمة الأُخْرَى ليلةً، ويبيت عند الجديدةِ نصْفَ ليلة؛ لأنَّها تستحق ثُلُث القَسْمِ، ويخرج بقيَّة اللَّيْل إلى مسجد ونحوه، ثم يستأنف القَسْم بينهن وشوي وقوله: "وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَقَدِ الْتَمَسَتْ أمُّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- ذلك ... " إلى آخره يشعر بتقديم التماس أم سلمة -رضي الله عنها- على تخيير النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إيَّاهَا، وكذلك نَقَل الإِمَام لكنْ لا تصريحَ بذَلِك في كتب الحديث، واللفظ في "سنن أبي دَاوُد" السِّجِسْتَانِيِّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمَّا تزوَّج أم سَلَمَة أقام عندها ثلاثاً، ثم قال: "ليس بك على أهلك، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي" (١) والله أعلم وَنُقِلَ أن أم سلمة -رضي الله عنها- اختارت الاقتصار على الثلاث.

فرع: لا ينبغي لأحد أن يتخلف بسبب حق الزِّفَاف عن الجماعات، وعيادَةِ المَرْضَى، وتشييع الجنائز، وإجابة الدَّعَوَات، وسائر أعمال البِرِّ التي كان يقوم بها هذا بالنَّهار، وأما بالليل فقد قالوا: لا يخرج؛ لأن هذه مندوباتٌ، والمقام عندها واجبٌ، قالوا: وفي دوام القَسْم ينبغي أن يسوي بينهن في الخرُوج للجماعات، وأعمال البر، إمَّا أن يخرج في ليلة الجميع أو لا يخرج أصْلاً، ولا يجوز أن يخرج في ليلة بَعْضِهِنَّ دون بعض.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الرَّابِعُ في الظُّلْمِ وَالقَضَاءِ): وَفِيهِ مَسَائِلُ: (الأُولَى): أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ ثَلاَثُ نِسْوَةٍ فَبَاتَ عِنْدَ اثْنتَينِ عِشْرِينَ لَيْلَةً اسْتَحَقَّتِ الثَّالِثَةُ عَشْرَ لَيَالٍ فَيَقْضِيهَا عَلَى الوَلاَءِ؛ لأَنَّهُ اجْتَمَعَ في ذِمَّتِهِ، فَلَوْ نَكَحَ جَدِيدَةً فَلَوْ بَاتَ عِنْدَهَا عَشْراً وَلاَءً ظَلَمَ الجَدِيدَةَ، فَسَبِيلُهُ أَنْ يَقْضِيَ حَقَّ الجَدِيدَةِ بِثَلاَثٍ أَوْ سَبْعٍ ثُمَّ يَبِيتَ عِنْدَهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ وَعِنْدَ الجَدِيدَةِ لَيْلَةً لأَنَّ حَقَّ الجَدِيدَةِ لَيْلَةٌ منْ أَرْبَع، وَلَوْ قَضَاهَا العَاشِرَةَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ القَسْمَ عَادَ إلَى الجَدِيدَةِ في الخَامِسَةِ فَسَبِيلُ العَدْلِ أَنْ يَبِيتَ العَاشِرَةَ عِنْدَ المَظْلُومَةِ وَيَثْبُتُ لِلجَدِيدَةِ


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>