للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وهل يطالب بالقيمة لِلْحَيْلُولة؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز.

والثاني: نعم؛ لوقوع الحيلولة بينه وبين حقه، وهذا ما أورده صاحب الكتاب في هذا الموضع، لكنه أعاد المسألة في "باب الغَصْب"، وذكر فيها الخلاف.

والأصح في المذهب هو الوجه الأول، ولم يورد العراقيون، وصاحب "التهذيب" سواه، وإذا فرعنا عليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال، كما لو انقطع المسلم فيه، وإن لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير فله مطالبته به، وأشار الإمام إلى خلاف فيه، ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الإتلاف فهل يطالبه بالمثل؟

حكلي فيه خلافاً هاهنا، وذكر في "الغَصْب" أنه لا يطالب إلاَّ بالقيمة، وهو الأظهر. ولنشرح المسألة ثمّ إنْ شاء الله تعالى.

وقوله في أول الفصل: (أما المكان فمكان العقد) محمول على ما إذا عينا مكان العقد، أو أطلقا ولم يشترط تعيين المكان. وقوله: (ثم لا يكون عوضاً إذ يبقى استحقاق الدَّين) أراد به أن القيمة المأخوذة لا تكون عوضاً عن المسلم فيه، بل يبقى استحقاق المسلم فيه بحاله حتى إذا عاد إلى مكان التَّسليم يطالبه به، ويرد القيمة، ولمن نصر ظاهر المذهب أن يقول: لو صح هذا الكلام لوجب أن يحكم بمثله في انقطاع المسلم فيه. ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم، وأبى المستحق قبوله، فإن كان لنقله مُؤْنة أو كان الموضع مخوفاً لم يجبر، وإلاَّ فوجهان بناء على القولين في التَّعْجيل قبل المحل، فإن رضي وأخذه لم يكن له أن يكلفه مُؤْنَة النقل (١).

" باب القَرض"

قال الغزالي: أَمَّا القَرْضُ فَأدَاؤهُ كالمُسَلَّمِ فِيهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ الاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَيَجِبُ المِثْلُ فِي المِثْلِيَّاتِ، وَفِي ذَوَاتِ القِيَمِ وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا بِالحَدِيثِ أَنَّ الوَاجِبَ المِثْلُ، اسْتَقْرَضَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بَكْراً وَرَدَّ بَازلاً (٣) وَالقِيَاسُ القِيمَةُ.

قال الرَّافِعِيُّ: الإِقراض مندوب (٢) إليه فيه من الإِعَانة على البِر وكشف كُرْبَة


(١) قال النووي: أصحهما: إجباره. ولو اتفق كون رأس المال على صفة المسلم فيه، فأحضره، فوجهان مشهوران. أصحهما: يجب قبوله. والثاني: لا يجوز. ينظر الروضة ٣/ ٢٧٢.
(٢) قال الأذرعي: يستثنى من ندبيته ما إذا علم من حال المقترض أنه ينفقه في معصية أو مكروه وقد يحرم في القسم الأول إذا غلب على ظنه لأنه أعانه على المعصية. وقال الزركشي في شرح المنهاج، قد يجب لعارض كالمضطر، ولو اقترض الماء لعادمه وجب قبوله في الأصح وقد يحرم =

<<  <  ج: ص:  >  >>