قلنا: أما الثَّلاثة فالتمكن من صَوْمِهَا بأن يحرم بالحج لزمان يَسَع صَوْمَهَا قبل الفراغ ولا يكون به مَرَضٌ مَانِع، وذكر الإمام -رحمه الله- أنه لا يجب شيء في تركته ما لم ينته إلى الوطن؛ لأن دوام السَّفَرِ كدوام المَرَضِ، وَصَوْم الأيام الثلاثة وإن كان ثابتاً على الغرباء فلا يزيد تأكده على تكد صَوْمِ رمضان أداء واستدراكاً، وهذا غير مُتَّضِح لأن صَوْمَ الثلاثة بتعين إيقاعه في الحَجِّ وإن كانوا غرباء مُسَافِرين بالنَّصِ، فكيف ينهض السَّفر عذراً فيه؟ وكيف يُقَاسُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ؟ وأما السبعة فإن فَسَّرْنَا الرجوع بالرجوع إلى الوَطَنِ فله التَّأْخِير إلى الوُصول إليه، وكأنه لا يمكن قبله وإن فَسَّرْنَاه بالفراغ من الحَجِّ فكذلك، ثم دوام السَّيْرِ عذر على ما ذكره الإمام -رحمه الله-.
وعن القاضي الحُسَيْنِ -رحمه الله- أنا إذا استحببنا التأخير إلى أن يصل إلى الوطن تفريعاً على أن الرجوع هو الفراغ من الحَجِّ فهل يفدي عنه إذا مات في الطريق؟ فيه وجهان تخريجاً من الوجهين فيما إذا ظَفَرَ بالمَسَاكين، ولم يدفع الزَّكاة إليهم ليدفعها إلى الإمام فَتَلَفَ المَالُ، هل يضمن؟ ولا يخفى بعد ما ذَكَرْنَاه أن قوله:(صام عنه وليه أو فدى كل يوم بمد) ليس المراد منه التخيير، وإنما هو إشارة إلى القولين القديم والجديد المذكورين في صيام رمضان، وأن قوله:(وقيل: إنه يرجع هاهنا إلى الأصل) قول لا وجه، وأن المراد من قوله:(فإن مات معسراً إلى آخره) ما إذا مات بعد التَّمَكُّنِ، وإن كان اللفظ مطلقاً، ويجوز أن يعلم قوله:(صام عنه وليه أو فدى كل يوم بمد) كلاهما بالحاء. أما الأول: فلأن أبا حنيفة -رحمه الله- لا يقول بصوم الولي.
وأما الثاني: فلما قدمنا أنه إذا لم يَصُم الثَّلاثة في الحَجِّ سقط الصوم واستقر الهَدْيُ، ولفظ الكتاب مطلق، ويجوز أن يُعَلَّم الأول وبالميم والألف أيضاً.