للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفةَ: إنْ وقعا منكبَّيْن، فعلى عاقلة كلِّ واحد تمامُ دية الآخر، وإنْ وقعا مستلْقِيَيْنِ، فهما مُهْدَران؛ لأن انكباب كلِّ واحد منهما هاهنا يكون بفعل الآخر، والاستلقاء يكون بفعْله، لا بفعل الآخر عَلَى نقيض ما سبق في الاصْطِدام، ولو وَقَع أحدهما مستلقيًا، والآخر منكبًا. قَدَمُ المستلقي هَدَر، وعلَى عاقلته جميعُ دية المنْكَبِّ، وقياسُ ما حكينا عن المُزَنِيِّ وصاحب "التلخيص" موافقته، وذكر صاحب "التهذيب" فيما إذا انكب أحدهما، واستلقَى الآخر؛ أنه يجب على عاقلة المستلقي نصْفُ دية المنكبِّ مغلَّظة، ويجبُ على عاقلة المنْكَبِّ نصفُ ديةِ المستلْقِي مخفَّفة، وهذا إنْ صحَّ (١)، اقتضى أن يقال في صورة الاصطدام، إذا انكب أحدهما، واستلقى الآخر، يجب على عاقلة المستلقِي نصْفُ دية المنكبِّ مخفَّفة، وعلى عاقلة المنكبِّ نصفُ دية المستلقي مغلَّظة، ثم الفرع مصوَّر فيما إذا كان المتجاذبان مالكَيْن للحَبْل أو غاصِبَيْنِ، فأما إذا كان أحدهما مالكًا، والآخر ظالِمًا (٢)، فَدَمُ الظالمِ مُهْدَرٌ، وعلى عاقلته نصفُ دية الآخر، ولو أرخَى أحد المتجاذبَيْن، فسقط الآخر، ومات، فنصف ديته على عاقلة المُرْخِي، ونصفُها هدر؛ لأنَّ سقوطه إنما يكون بالإرخاء بقوَّة جَرِّهِ، ولولا جرُّه، لما سقط بالإرخاء، ولو قَطَع الحبلَ الذي يتجاذبانه قاطعٌ، فسقطا، وماتا فديتهما جميعًا على عاقلة القَاطِع.

" فَرْعٌ"

ما ذكرنا أنه يُهْدَر نصفُ قيمة الدابَّة، ويجب النصف الآخر؛ فيما إذا كانت الدابَّة ملكًا للراكب، فأما إذا كانتْ مستعارةً أو مستأجرةً، فلا يُهْدَرُ منْها شيْءٌ؛ لأن العاريّةَ مضمونةٌ، وكذا المستأجِرُ إذا أتلف المستأجَرَ.

الثالثَةُ: بيَّنَّا حكم اصطدام البالغَيْن العاقلَيْن في حالتَي المشْي والركوب، فأما إذا اصطَدَمَ صبيان أو مجنونانِ، نُظِرَ؛ إن كانا ماشيَيْن، أو راكَبَيْن، وَقد ركبا بأنفسهما، فالحكْمُ كذلك، إلا أنا إذا أوجبْنَا الديةَ، هناك مغلَّظَة، فيبنى هاهنا على أن الصبيَّ، هل له عَمْدٌ، إن قلنا: نعم، فكذلك، وإلا، فتجبُ، مخففة وإن أركبهما مَنْ لا ولايةٌ له عليهما، فلا يُهْدَرُ شيْء من ديتهما، ولا قيمةَ للدابَّتَيْن، ولا شيءَ على الصبِيَّيْن، ولا على عاقلتهما، ولكنْ إن كان المركبُ واحدًا، فعليه قيمة الدابتين، وعلى عاقلته ديةُ الصبيين، وإن أركَبَ هذا واحدًا، وهذا آخَرَ، فعلى كلِّ واحد منهما نصفْ قيمة كلِّ


(١) قوله "وهذا إن صح. إشارة للتوقف في إثباته وجهًا، وقد حكاه في البحر عن بعض الأصحاب ثم قال: وفيه نظر.
(٢) في ز: يطلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>