للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد من الدابَّتَيْن؛ لأن الذي أركبه متعدياً أتْلَفَ النصفَيْن، فضمنه، وكذلك يَضْمَن ما أتلفت الدابَّة بيدها أو رِجْلها، وعلى عاقلة كلِّ واحد منهما نصفُ دية الصبيِّ الذي أركبه، ودية الصبيِّ الآخر لجنايته عَلَى نفسه، وجنايته على الآخر، هذا هو المشهُور، ووراءَه كلامان:

أحدهما، قال الشيخُ أبو حامدٍ: كان أبو القاسم الدَّارِكِيُّ، وأبو الحَسَنِ بْنُ المَرْزُبَانِ يقُولان: يجبُ عَلَى عاقلةِ كلِّ واحدٍ من المُرْكَبَيْنِ ديةُ مَنْ أركبه، قال: وهذا لَيْسَ بشَيْء، والصوابُ الأولُ؛ لأن المُرْكِب المتعدِّي يضمن الصبيَّ الذي أركبه، وجنايته على غيره حتَّى لو وقع الصبيُّ، ومات، يلزمه الضمان، ولو جنَى على غيره، يضْمَن ذلك الغير، ولا يضمن جناية الغَيْر على الصبيِّ الذي أركبه، فلا يصحُّ القول بأنه يضمن من أركبه؛ لأن نصفه فَاتَ بجناية الغير، والذي أطلقه مِنْ أنَّه لو وقع الصبيُّ الذي أركبه، ومات، يضمنه -فيه تفصيلٌ في "التتمة"، فإنَّه قال: إن كان مثله لا يستمسكُ على الدابَّة، ولم يسنده، وجب الضمان، وإن كان يستمسك، فإن كان ينقله من موضع إلَى موضع، فلا ضمان؛ أركبه الوليُّ أو غيره؛ لأنه لا يخاف منه الهلاك غالباً، وإن أركبه لتعلم الفروسية، فهو كما لو تلف في يد السَّبَّاح، وفي كلِّ واحدٍ من الإطلاق والتفصيلِ توقُّف.

الثاني: قال في "الوسيط": لو أركب الصبيَّ متعدٍّ، وتعمَّد الصبيُّ، فيحتمل أن يحالَ الهلاكُ على الصبيِّ، إذا جعلْنا له عمداً؛ لأن المباشرة أولَى من التسبُّبَ، لكن لَمَّا لم تكن مباشرتُه عدواناً؛ كصباه، أمكن أن يجعل كالتردِّي مع الحفر، والاحتمالُ حسنٌ، والحكم إنْ قيل به كالحكْمِ فيما لو ركبا بأنفسهما، والاعتذارُ عنه متكلَّف، ثم حقُّه أن يقال بمثله في الحَفْر، حتى لو ألقى الصبيُّ نفسه في البئر عمداً يكون الضمان على عاقلة الحافر، والله أعلم. فهذا إذا أركبهما مَنْ لا ولاية له، وإن أركبهما وليَّاهما لمصلحتهما، ففي الضمان وجهان:

أصحهما: المنعُ؛ كما لو ركبا بأنفسهما؛ إذ لا تقصير.

والثاني، ويحكَى عن القَفَّال: أنه يجب الضمان؛ لأن في الإركاب خطراً ظاهراً، فلا يرخَّص فيه إلا بشَرْط الضمان، إن لم تسلم العاقبة، هكذا أطلق حكاية الوجهين جماعةٌ، منهم صاحب "التهذيب"، وإبراهيم المروزيُّ، وخصص الإمامُ وصاحبُ الكتاب الوجهَيْن بما إذا كان الإركابُ لزينة، أو لحاجة غير مهمة، فأما إذا مسَّت حاجة (١) أرهقت إلى إركابه للنَّقْل من مكان إلى مكان، فلا خلافَ في أنَّه لا يتعلَّق [به]


(١) في أ: الحاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>