للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَوْلُ فِي التَّعْزِيَةِ وَالبُكَاءِ عَلَى المَيِّتِ

قال الغزالي: (التَّعْزِيَةُ) سُنَّةٌ اِلى ثَلاَثةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ الحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَلِلْمُصَابِ، وَيُعَزَّى المُسْلِمُ بِقَرِيبِهِ الكَافِرِ وَالدُّعَاءِ لِلْحَيِّ، وُيعَزَّى الكَافِرُ بِقَرِيبِهِ المُسْلِمِ وَالدُّعَاءِ لِلمَيِّتِ، وَيُسْتَحَبُّ تَهْيئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ المَيِّتِ، وَالبُكاءُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَلاَ نِيَاحَةٍ وَمِنْ غَيْرِ جَزَعٍ وَضَرْبِ خَدٍّ وَشَقِّ ثَوْبٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَلا يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِنِيَاحَةِ أَهْلِهِ إلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهِ، فَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى


= الساحل مسلمين، فإن كانوا كفاراً، ثقل بشيء لينزل إلى القرار، قال أصحابنا: الذي قاله الشافعي أولى، لأنه يحتمل أن يجده مسلم فيدفنه إلى القبلة. وعلى قول المزني: يتيقن ترك الدفن. هذا الذي ذكرته هو المشهور في كتب الأصحاب، وذكر الشيخ أبو حامد، وصاحب "الشامل" وغيرهما: أن المزني ذكرها في "جامعه" الكبير، وأنكر القاضي أبو الطيب عليهم وقال: إنما ذكرها المزني في "جامعه" كما قالها الشافعي في "الأم" قال الشافعي" فإن لم يجعلوه بين لوحتين ليقذفه الساحل، بل نقلوه وألقوه في البحر، رجوت أن يسعهم، كذا رأيته في "الأم" ونقل الأصحاب أنه قال: لم يأثموا، وهو بمعناه. وإذا ألقوه بين لوحين، أو في البحر، وجب عليهم قبل ذلك غسله وتكفينه، والصلاة عليه بلا خلاف، وعبارة "شرح المهذب" قال: أصحابنا -رحمهم الله-: إذا مات في البحر ومعه رفقة، فإن كان بقرب الساحل وأمكنهم الخروج إلى الساحل، وجب عليهم الخروج به، وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، قالوا: فإن لم يمكنهم لبعدهم من الساحل أو لخوف عدو أو سبع أو غير ذلك لم يجب الدفن في الساحل، بل يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم يجعل بين لوحين ويلقى في البحر ليلقيه إلى الساحل، فلعله يصادقه من يدفنه، قال الإمام الشافعي في "الأم": فإن لم يجعلوه بين لوحين ويلقوه إلى الساحل، بل ألقوه في البحر رجوت أن يسعهم هذا لفظه، ونقل الشيخ أبو حامد وصاحب "الشامل" أنَّ الشافعي -رحمه الله- قال: لم يأثموا -إن شاء الله تعالى- وهو معنى قوله: "رجوت أن يسعهم، فإن كان أهل الساحل كفاراً، قال الشافعي في "الأم": جعل بين لوحين وألقي في البحر، وقال المزني -رحمه الله-: يثقل بشيء لينزل إلى أسفل البحر لئلا يأخذه الكفار فيغيروا سنة المسلمين فيه، قال المزني: إنما قال الشافعي أنه يلقي إلى الساحل، إذا كان أهل الجزاءُ مسلمين، أمَّثا إذا كانوا كُفَّاراً فيثقل بشيء حتى تنزل إلى اقرار، قال أصحابنا: والذي نص عليه الشافعي من الإلقاء إلى الساحل أولى؛ لأنه يحتمل أن يجده مسلم فيدفنه إلى القبلة، وأمَّا على قول المزني فيتيقن ترك دفنه، بل يلقيه للحيتان. هذا الذي ذكرناه هو المشهور في كتاب الأصحاب. قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: إن المزني ذكر مذهبه هذا في جامعه الكبير، وأنكر القاضي أبو الطيب في تعليقه على الأصحاب نقلهم هذا عن المزني وقال: طلبت هذه المسألة في الجامع الكبير فوجدتها على ما قاله الشافعي في الأم. وذكرها صاحب المستظهري كما ذكرها المصنف فكأنهما اختارا مذهب المزني، قال أصحابنا -رحمهم اللهُ-. والصحيح ما قاله الشافعي -والله أعلم- ينظر الروضة (١/ ٦٦٠، ٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>