إذْنِ الملتقِطِ في الإنفاق على اللَّقِيط من ماله، فالأكثرون قد طَرَدُوا الطَّرِيقَيْنِ في جوازِهِ، والأحْسَنُ ما أَشَارَ إلَيْه ابْنُ الصَّبَّاغِ، وهو القَطْعُ بالجواز؛ لأنَّ ما ذكرنا [هـ]، من اتَّحادِ القابض والمُقْبض لا يتحقَّق هاهنا، بل هو كقَيِّم اليتيم، يأَذَنُ له القاضي في الإنفاق عَلَيْه من ماله، وليعد المصير إلى المنعِ؛ لما حكاه الإمامُ وجْهاً عن العراقيين -رحمهم الله- قال: لا آمَنُ أنْ يكونَ غَلْطَة من ناسخٍ؛ لأنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ من أن يُحْتَمَلَ ذلك، فالطُّرُق على اختلافها مشحونةٌ بالطريقين، وينْبَغي أن يجري هَذَا الخلافُ في تسليم ما استقرضه القاضي على الجِمَالِ الهَارِبِ إلى المكتري، ولا ذِكْرَ له هناك ..
وإذا جوَّزنا أن يأذنَ لهُ في الإنْفاق، فأَذِنَ له، ثم بلغ اللقيطُ، واختلفا فيما أَنْفَقَ، فالقَوْلُ قَوْلُ الملْتَقِطِ، إذا كان ما يَدَّعيه قصدًا لائقاً بالحال، وقد مَرَّ في هَرَبِ الجمالِ حكايةُ وجْه آخَرَ؛ تفريعاً على هذا الوجه؛ أنَّ القولَ قولُ الجمال، والقياسُ اطراده هاهنا (١). وإن ادعى ما يزيد على المعروف، فهو مُقِرُّ على نفسِه بالتفريط فيضْمَنُ، ولا معنى للتحليف.
قال الإمام: لكنْ لو وقع النِّزاعُ في عَيْنِ مالٍ، فزعم الملْتَقِطُ أنَّه أنفَقَها، فيصدَّق؛ ليقطع المطالبة بالعين، ثم يضمن كالغاصب، إذا ادَّعَى التلف، هَذَا، إذا أمكن مراجعةُ القاضي. أمَّا إذا لم يَكُنْ في الموضِع قاضٍ، فينفق من مَالِ اللَّقيط عليه بنفسه، أو يدفعُه إلى أمين لينفقَ عليه؟
رَوَى صاحبُ "التهذيب" وغيرْه قولَيْن:
أصحُّهُما الأوَّل، وحينئذ ينظر؛ أن أشهد علَيْه، لم يضمن؛ لأنَّه موضِعُ ضرورةٍ، وفيه وجهٌ، وإنْ لم يُشْهِدْ، ضمن، وفيه وجْهٌ؛ إمَّا مُطلَقاً أو عنْد تعذُّر الإشهاد، وكلُّ ذلك كالخِلاَفِ في الرُّجُوع، إذا هَرَبَ عاملُ المساقاة أو الجَمَّالُ، وقد ترتَّب ما نحن فيه عليهما، وُيقَالُ: هذا أَوْلَى بالجواز؛ لأنَّ للملتقط نَوْعُ ولايةٍ على اللقيط، فجازَ أن يتصرَّفَ في مالِه عند العجز عن القاضي، ولأنَّ غرضهُ هاهنا أنْ يصدقَ؛ فلا يضمن، وهناك يلزمُ غَيْرُهُ بالرجوع.