للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وبه قطع الداركيُّ (١): نعم؛ لحصول التفويت.

وأظهرهما: المنع؛ لأن المقصود التشفِّي، وذلك لا يتم بفِعْلِ الجانِي، وأيضاً، فإنه إذا مستْه الحديدة فترت يداه، ولم يحصُل الزهوق، إلا بأن يعذب نفْسَه تعذيباً شديداً، وهو ممنوعٌ منه، وعلى هذا، فلو قتل نفْسَه أو قطَع طَرَفَاً بإذن المستحِقِّ، ففي الاعتداد به عن القصاصِ وجهان:

أحدهما: لا يعتد به، كما لو جلَد نفْسَه في الزَنا بإذن الإِمام أو في القَذْف بإذْن المقذوف، فإنَّه لا يُسْقِطُ الحد عنه، وكما أنه لو قبض المبيع من نفْسِه بإذن المشتري، لا يُعْتَدُّ به.

والثاني: يُعْتَدُّ لحصول الزُّهُوق، وإبانة العضو، ويخالف الجَلْد؛ فإنه قد لا يؤْلِم نفسه، ويُرى الإيلام فلا يتحقق حصول المطلوب، وفي البيع، المقصودُ إزالةُ يد البَائِع، ولم تزل قال في "التهذيب": ولو قطع السارق نفسه بإذن الإِمام، اعْتُدَّ به عن الحدِّ، وهل يمكنه إذا قال: أقْطَعُ بنفسي؟ فيه وجهان، يحْسُن ترتيبهما على الخلاف في أنَّه هل يُمَكَّن من الاقتصاص من نفسه، والتمكين هاهنا أوْلَى؛ لأن الغرض هاهنا التنكيل، ويَحْصُل ذلك بفعل السارق أو هو أشدُّ، وهناك الغَرَضُ التشفِّي على ما مَرَّ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ القَصَاصَ عَلَى الفَوْرِ فلاَ يُؤَخَّرُ (ح) بِاللِّيَاذِ إلَى الحَرَم بَلْ يُقْتَلُ فِيهِ وَيُخْرَجُ عَنِ المَسْجِد الحَرَامِ فَيُقْتَلُ، وَقِيلَ يُقْتَلُ: فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَيُبْسَطُ الأَنْطَاعُ تَعْجِيلاً، وَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيِّ قَطْعُ طَرَفِهِ وَحَزُّ رَقَبَتِهِ عَقِيبَهُ إِنْ شَاءَ، وَلَهُ التَّأْخِيرُ، وَلاَ يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِحَرٍّ مُفْرِطٍ وَلاَ لِمَرْضِ الجَانِي، وَلاَ يُمْنَعُ مِنَ المُوَالاةِ فِي قَطْعِ الأَطْرَافِ قِصَاصاً وَإنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ أَطْرَافُهُ بِالجِنَايَةِ مُتَفَرِّقَاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لمستحِقِّ القِصَاصِ استيفاؤُه على الفَوْر، إذا أمكن؛ لأنَّ القصاص موجبُ الإتلاف، فيتعجَّل، كقيِّم المُتْلفات، ويتعلَّق بهذه القاعدة صورٌ.

إحداها: مَنْ وجَب عليه القصاصُ، إذا التجأ إلى الحَرَم، جاز استيفاؤه منْه في الحَرَم، سواءٌ كان الواجبُ قصاصَ النفْس أو قصاص الطَّرَف، ومثله يُرْوَى عن مالك، وعند أبي حنيفة: لا يُستَوْفَى قصاص النفس في الحرم، إلا أن ينشئ القتل فيه، ولكن يضيق الأمْر عليه، فلا يكلَّم ولا يُطْعَم، ولا يُعامَل حتى يخرج، فيُقْتل وسَلَّم أنهُ يستَوْفَى قِصاصُ الطَّرَف في الحرم، سواءٌ أنشأ الجنايةَ فيه أو أنشأها خارجَ الحرم، والتجأ إلَيه،


(١) وما أطلقه عن الداركي من الجواز محله إذا فعله برضى المستحق فإنه فعل بغير رضاه قال الداركي: ففيه وجهان هذا حكاه صاحب الوافي عن شيخه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>