للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلافَ في المسألة من الخلافِ في أن تسليم الثمار المبيعة على رُؤُوس الأشجار، هل تحصل بالتخلية، وفرق الإِمام بين البابَيْن فقال: اليد جُزْءٌ من الإنسان، والتسليمُ فيها لا يَحْصُل إلا بالفَصْل، وليست الثمار كذلك؛ ألا ترى أن الجانِيَ لو فاتَتْ يدُهُ بعْد التمكين يستقر عليه ضمانُ الجناية بلا خلاف، وإذا اجتاحت الثمار بعد التخلية، فمن ضمان من يكون فيه الخلافُ المشهورُ، والخلافُ الذي يشبهه هذا الخلافُ وجهان ذُكِرَا في أن مؤنة الجَذَّاذ على البائع أو المشتري تفريعاً على أن الجوائح من ضمان البائع، وأما أجرة الجَلاَّد في الحدود، والقاطع في السرقة، فيحصل من المنقول فيها وجهان أيضاً أرجحهما فيما يقتضيه إيرادُ الأكثرين تصريحاً وتعريضاً؛ أنها تَجِبُ على المجلُودِ والسارقِ المقطوعِ أيضاً؛ لأنها من تتمة الحدِّ الواجبِ عليه، وبهذا قال الماسرجسي.

والثاني: أنها في بيت المال؛ لأن الحد ليس حقّاً يستقر في الذمَّة استقرار القصاص، وإنما الحدود سياساتٌ يقوم بها السائسُ؛ للمصلحة العامة، فعليه القيامُ بتوابعها ومؤناتها، ومنهم من خصَّص الإيجاب على بيْت المال، بما إذا لم يكُنْ للجاني مالٌ، وفي كلام الأئمة ما يُفْهِم وُيرْشِد إلى ترتيب الخلافِ في أجرة الجَلاَّد في الحدِّ على الخلاف في القصاص، فإن قلنا: يجب على بيت المال، فأجرة الجلادين في الحدِّ على بيت المال، بطريق الأَوْلَى، فإن قلنا: إنها على المقتص منْه، ففي الحدود تجب على المحدود أو في بيت المال؟ فيه وجهان، والفرْق أن المقتص منه مأمورٌ بالإقرار بالجناية؛ ليستوفى منه موجبها فمؤنة الإيفاء عليه، وفي الجرائم المُوجِبَة للحُدُود، هو مأمورٌ بالستر على نفسه، ونقل جماعة من الأئمة منهم المسعوديُّ والفورانيُّ تولُّدَ الخلاف في الصورتين من ذمَّتيْن نقلوهما عن الشافعيِّ -رضي الله عنه- قالوا: نصَّ في القصاص على أن الأجرةَ على المقْطُوع والمقتول، وفي الحدود على أن الأُجْرة على بيت المال، فقررهما مقرِّرون وتَصرَّف فيهما آخَرُون بالنقل والتخريج، وأثبتوا فيهما قولَيْن.

أحدُهما: الوجوب على الجاني.

والثاني: أنه تجب في القصاص على المستحِقِّ، وفي الحدُود في بيْت المال، وهذه الطريقةُ هي التي أوردَهَا صاحبُ الكتاب، وأجرةُ الجلاَّد في حدِّ القذف كأجرة الاقتصاص، وإذا قلْنا بالوجوب في بيت المال، والتصويرُ فيها إذا لم يكُنْ في بيت المال ما يُمْكِن صرفُه إليه، فيستقرض الإِمام على بيْت المال إلى أن يَجِدَ سَعَة.

قال القاضي الرويانيُّ: أو يستأجر بأُجْرَة مؤجَّلَة أو يستسخِرَ مَنْ يقوم به على ما يَرَاه، والاستئجار قريبٌ، والتسخير بعيد، وبتقدير أن يَجُوز ذلك فيَجُوز أن يأخذ الأجرة ممَّن يراه من الأغنياء، ويستأجر بهالأولو قال الجاني: اقْتَصَّ من نفْسِي، ولا أُؤَدَّي الأجرةَ، فهَلْ يُمكن؟ فيه وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>