للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً، ويريد تعذيبه، فلا يسلَّط عليه، ويُنْسَب هذا إلى أبي الحُسَيْن بن القطَّان، وإن ادَّعَى الخطأ فيما يُمْكِن أن يقرع في مثله الخَطَأ، كما لو ضَرَب على الكتف أو الرأْس ممَّا يلي الرقبة، فيحلف ولا يُعزَّر إذا حلف، لكن يعزل؛ لأن الحال يُشْعر بعجزه وخرقه، ويُرْوَى وجْهٌ أو قولٌ: أنه يُعذَّر بالخطأ، ولا يعزل، وذكر الإمامُ مستدرِكاً أن هذا الوجه ينبغي أن يكون مخصوصاً بما إذا لم يتكرَّر منه الخطأ، ولم يظْهر خرقه، وإنْ ظَهَرَ، فليمنع بلا خلاف، [ينبغي] أن يكون الوجه الأظهر، وهو أن يعزل مخصوصاً بمَنْ لم تُعْرَف مهارته في ضَرْب الرقاب، أمَّا الماهِرُ فيه، فينبغي أَلاَّ يعزل بخطأ اتَّفَقَ له، بلا خلاف.

الثانية: أطلق مطْلِقون وجهَيْن في المنْع من استيفاء القصاص بالسيف المسموم، وقالوا، في وجه: لا يُمْنَع؛ لأنه ليس فيه زيادة عقوبة وتفويت.

والأصحُّ أنه يُمْنَع؛ لأنه يُفْسِد البدن، وقد يفضي إلى التقطُّع وعسر الغسل والدفن، والوجهان عنْد الإِمام فيما إذا كان تأثيرُ السُّمِّ في التقطع والتفتت يتأخر عن الدَّفْن، فإن كان يُؤثِّر قبل الدَّفْن، فيمنع منه بلا خلاف لما فيه من هتْك الحرمة، وعلَى هذا جرى صاحب الكتاب، وحيث يمنع، فلو بان بعْد القتل أنَّ الآلة كانتْ مسمومةً، عُزِّر، وفي قصاص الطَّرَف؛ يمنع من المسموم لا محالة، فلو استوفاه بالمسموم، فمات المقتص منه، فلا قصاص؛ لأنه ماتَ مِنْ مستحِقٍّ وغير مستحِقٍّ، ويجب نصْف الدية، ويكون على المستوفِي أو عَلَى عاقلته فيه وجهان:

أشبههما الأوَّل: وفي كتاب القاضي ابن كج ذكر وجْهٍ أنه يجب القصاص.

قال: ولو كان السمُّ مُوحِياً (١) وجَب وجهاً واحداً.

الثالثة: لينصب الإِمام من يقيم الحدَّ ويستوفي القصاص (٢) بإذْن المستحقين ويرزقه من خمس خمس الفَيْء والغنيمة المُرْصَد للمصالح، فإن لم يكنْ عنْده مِنْ سهم المصالح شيءٌ أو احتاج إلَيْه لما هو أهم منه، فظاهر المَذْهب أن الأجْرَةَ في الاقتصاص على المقتصِّ منه؛ لأنه مؤنة حقٍّ، يلزمه توفيته فتلزمه تلْك المؤنة، كما تلزم أجرة الكيَّال على البائع، وأجرة وزان الثمن على المشتَرِي، وعن صاحب "التقريب" روايةُ وجهٍ أنها على المقتص، كما أن أجرة نقْلِ الطعام المشتَرَى على المشتَرِي المستَوْفِي، وبهذا قال أبو حنيفة، وروي عن مالك أيضاً، وذكَر أن مأخذ الخلافِ، وهو أن التسليمَ يَحْصُل بالإبانة وتميز العضو عن الجملة أو يكفي فيه التخلية وقرَّب صاحبُ التقريبِ


(١) الموحي بضم الميم وفتح الواو وتشديد الحاء المهملة الذي يقتل في الحال. قاله في الخادم.
(٢) من المهم ذكر شرطه وشرطه الإِسلام فلا يجوز للإمام أن يتخذ جلاداً كافراً لإقامة الحد على المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>