للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفْس، وقد يريد المقذوف في الإيلام للتشفِّي والانتقامِ، والتعزيرُ كحد القذف، وإن كان المطلوبُ قصاصَ الطَّرَف، والطالبُ المجنيُّ عليه، فوجهان:

أحدهما: يفوضه إليه، كقصاص النفْس؛ لأن إبانة الطَّرَف مضبوطةٌ أيضاً.

وأظهرهما: المنع؛ لأنه لا يُؤْمَن أن يردِّد الحديدة، ويزيد في الإيلام، فيَسْرِي.

ويُستحب للإمام أن يُحْضِرَ عدلَيْن (١) متيقظيْنِ، ليشهدا، إن أنكر المقتص الاستيفاءَ، ولا يحتاج إلى القضاء بعلمه بتقدير أن يكون [الترافع] إليه، ويتفحَّص عن حال السيْف، ليكونَ الاقتصاصُ بالصارم لا بالكَالِّ المعذِّب، وقد رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذاً قَتَلْتُم فَأَحْسِنوا القتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذبحة" (٢) وإذا قتل الجانِي بسيفٍ كالٍّ، فيقتل بالكالِّ أو بالصارِمِ؟ فيه وجهان، أشبههما على ما ذكر القاضي الرويانيُّ وغيره: الأولُ (٣)، ويُحْكَى الثاني عن "المنهاج" للشيخ أبي محمد، وإذا لم تجوز بالكل فإذا بأن بعْد الاستيفاء بأن السَّيْف كان كالاًّ، عُزِّر المستوفِي.

ويُضبَط الجانِي في قصاص الطرف؛ لئلا يضطربَ، فيؤدِيَ إلى استيفاءِ زيادةٍ، ثم في يقية الفصل صور.

إحداها: إذا أُذِنَ للوَلِيِّ في ضرب الرقبة، فأصاب غيرها، واعترف المُسْتَوْفِي بأنه تَعمَّد، عُزِّر، وكذا لو ادَّعى الخطَأ فيما لا يَقَع الخَطَأُ بمثله، كما إذا ضَرَب على رِجْله أو وسَطِه لظهور كذبه، ولكن لا يمنع من الاستيفاء، ولا يعزل لأنه أهْلٌ له، وإن تَعدَّى بما فَعَل وهذا كما أنه لو جرحه قبل الارتفاع إلى مجْلس الحُكْم، لا يُمْنَع من الاستيفاء، ومنهم مَنْ يحكي وجهاً أو قولاً آخر: أنه ينعزل، ويُؤْمَر بالإنابة؛ لأنه لا يُؤْمَن أن يتعدَّى


(١) وما ذكره من الاستحباب هو المشهور، وقال في الحاوى: إذا تعين لواحد استيفاء القصاص اعتبر في استيفائه عشرة أشياء حضور الحاكم الذي حكم له بالقود أو ناشب عنه، وأن يحضره شاهدان وأن يحضر معه من الأعوان من إذا احتاج إليهم أعانوه فربما احتاج إلى كف وردع وأن يؤمر المقتص منه بما يعين عليه من صلاة يومه وبالوصية فيما له وعليه، وبالتوية، وأن يساق إلى موضع القصاص سوقاً رفيقاً بلا شتم وشنر عورته وتشد عيناه، ويكون ضارباً بغير مسموم قال: وإنما اعتبرنا هذه الشرائط والأوصاف إحساناً في الاستيفاء ومنعاً من التعذيب. انتهى.
وما ذكره من اشتراط حضور الإِمام جزم به صاحب المقنع والشيخ في التنبيه وصاحب البيان والذخائر. قال ابن الرفعة: ويدل عليه كلام الشَّافعي في الأم، وجزم به الشيخ عز الدين في أواخر القواعد.
(٢) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث شداد بن أوس، وسيأتي في الضحايا.
(٣) وقال في الشرح الصغير أنه الأشبه وبه جزم الماوردي في الحاوي والمتولي في التتمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>