فإنَّ القرعة حينئذ تُسْتعمل، ولكنه لا يختص به، بل يجرِي فيما إذا جرى القَتْل على الترتيب، وفيه صُوَرُ الفورانيِّ كما سبق.
وقوله:"ولو اجتمع مستحِقُّ النَّفْس والطَّرَف" أي مستحقُّ القصاص في النفس والطرف ويجوز أن يُعْلَم قوله: "قُدِّمَ مُستحِقُّ الطَّرَفِ" بالميم؛ لِمَا ذكَرْنا من اكْتِفَائِهِ بالقتل.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ليْسَ لِمستحِقِّ القصاص استيفاؤُه دون إذْن الإِمام؛ لأنه يحتاج في إثْباتِ القصاص، واستيفائِهِ إلى النَّظَر والاجتهادِ؛ لاختلاف الناس في شرائط الوجُوب، وفي كيفية الاستيفاء، وأيضاً، فإن أمر الدمِ خطيرٌ، فلا وجه لتسليط الآحاد عليه، وأيضاً فإنه عقوبة تَتَعلَّق ببَدَنِ الآدميِّ، فلا بد من مراجعةِ الحاكِم، كحدِّ القذف، وعن أبي إسحاق ومنصورٍ التميميِّ: أن المستحِقَّ يستقل بالاستيفاء، كالأخذ بالشُّفعة وسائر الحقوق، وظاهرُ المذْهَب الأوَّلُ يستوي فيه قصاصُ النفْس والطَّرَف، وإذا استقل به عُزِّرَ، لكن لا غرم عليه، ويعتد به عن القصاص، ولو استقل المقذُوف باستيفاء صور الحدِّ، إما بإذن القادف أو دونه، ففي الاحتساب به وجهان (١)، يقاس في أحدهما على القصاص ويفرق في الآخر بأنه لا يتعلَّق بموضع معيَّن، ولا يَهْتَدِي إليه كلُّ أحد، وإذا لم يحتسب به ترك حتى يبرأ ثم يُحَدُّ، ولو مات منه، وجَبَ القصاصُ، إن جلَدَه دون إذنه، وإن كان بإذنه، فلا قصاص، وفي الدية خلافٌ، كما لو قتله بإذنه.
فإذا طلب المستحِقُّ أن يستوفِيَ القصاصَ بنفسه، فإن لم يَرَه أهلاً له؛ كالشيخ والزمن والمرأة، لم يجب أنه يستنيب وإن رآه أهلاً له، فإن كان المطلوبُ قصاصَ النفْسِ، والطَّالبُ الوليُّ، فيفوضه إليه، بخلاف الجَلْد في القذْف، لا يُفَوَّض إلى المقذُوف؛ لأن تفويت النفْس مضبوطٌ والجَلْدَات تَخْتلفُ موْاقعُها، ويتفاوت تأثيرُها في