والثاني: أنه يُقْرع بينهم، ويجعل القتْل واقعاً عمَّن خرجتْ له القرعةُ، وللآخرين الديةُ.
والثالث: حكاه الشيخ أبو محمَّد عن الحليميِّ: أنه يكتفي به عن جميعهم، ولا رجوع إلى الدية [ووُجِّه] بأنه لو قَتَل جماعةٌ واحداً متعدِّين، جعلْنا كلَّ واحد منهم كالمنفرِدِ بالقتل، فكما جعلْنا كلِّ واحدٍ كالمنفرد في الاعتداء، كذلك نجعله كالمنفرد في الاستيفاء.
الثالث: إذا قَتَل رجلاً، وقطَع طَرَفَ آخَرَ، وحضَر المستحِقَّان، فيقطع طرفه أولاً ثم يقتلُ سواءٌ تقدَّم القتْل أو تأخر؛ لأن في القتل على إثْرِ القطع جمعاً بين الحقَّيْنِ، ولو قدَّمْنا قصاص النفْس عنْد تقدُّم القتل، لفَاتَ قصاص الطَّرَف، ولا معْنى لإسْقَاط قصاص مقصودٍ لمجرَّد تقديمٍ وتأخيرٍ، وعن مالك: أنه يكتفَى بالقتل عن القطْع، فإنه يُفَوِّت الطَّرَف ومنافعَهُ، أما تفوت النفْس.
وإن قطَعَ يمين إنسان، ثم قطَع أصبعاً من يمين آخَرَ، وحضَر المستحِقَّان، فيقطع يمينه للأول، وللآخر ديةُ الأصبع، فإن عفا الأولُ، قُطِعت أصبعه للآخر، وإن قُطِع الأصبع أولاً، قُطِعت أصبعه للأول، والثاني يأخذ ديةَ اليَدِ إنْ شاء، وإن شاء، قَطَع ما بقيَ من يد الجاني، وأخذ دية الأصبع، وإنما يراعى التقديم والتأخير هاهنا، بخلاف القطْع مع القتل؛ لأن نقصان الطَّرَف لا يوجب نقصان النفس؛ ألا تَرَى أن بدَلَها لا يختلف، ونقصان الأصبع يوجب نقصان اليد؛ ولذلك يختلف البدَل، هذا ما ذكره الأئمة، والذي أطْلَقَه صاحبُ الكتاب في هذه الصورة: أنه يُقْرَع بينهما ولتحمل على ما إذا وقع القَطْعانِ معاً لا على الترتيب وحينئذٍ، فإن خرجَتِ القرعةُ لصاحب اليمين، فهو كما لو تقدَّم قطعُ اليمين، وإن خرجَتْ لصاحب الأصبع، فهو كما لو تقدَّم قطع الأصبع.
وقوله في الكتاب:"قُتِلَ بأوَّلهم، وللباقين الديات" ليعلَم، بالحاء والميم والألف؛ لما مرَّ من مذاهبهم في نصِّ الموضِع المحالِ عليه، وبالواو؛ لوجهِ نسَبْنَاه إلى رواية الرويانيِّ؛ أنه يُقتَل بجميعهم، ولكَلِّ واحدٍ قسطٌ من الدية، وهذا الوجه قد نقله الفورانيُّ، وأيضاً، ففي البيان أن بعْضَ أصحابنا الخُراسانِيِّين، قال: يُكْتَفَى بقتل الواحد عن الجماعة، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك، ويجوز إعادة العلاماتِ على قوله:"خُصِّصَ بالقصاصِ مَنْ خرجتِ القرعة له".
وقوله:"وُزِّعَ عليهم على الأصحِّ" يعني من الأوجه.
وقوله:"وقيل يَكْفِي عن جميعهم، وقِيلَ: يُخصَّص بالقرعة" هما الوجهان الآخران.
وقوله:"فإن كان فيهم مجنونٌ" إلى آخره، ظاهرٌ في التصوير فيما إذا قتلهم معاً؛