إنْ قلنا: يترك في يد المقر فهذا حكم منا ببطلان ذلك الإقرار، فلا يصرف إلى المقر له إلاَّ بإقرار جديد. وإن قلنا: إنه ينتزعه القاضي، ويحفظه، فكذلك لا يسلم إليه، بل لو أراد إقامة البينة على أنه ملكه لم تسمع، وإنما يسلم له، إذا فرعنا على الوجه البعيد، فإن الظاهر أنه لا يسلم إليه، على خلاف ما ذكر في الكتاب، ولو رجع المقر في حال إنكار المقر له، وقال: غلطت، أو تعمدت الكذب لم يقبل رجوعه، إن قلنا: ينتزعه القاضي، وإن تركناه في يده، فعلى وجهين، رواهما الإمام رحمه الله:
أظهرهما: عنده، وعند صاحب الكتاب: أنه لا يقبل أيضاً، بناء على أنه لو عاد المقر له إلى التصديق قُبل منه، فإذا كان ذلك متوقعًا لم يلتفت إلى رجوعه.
والثاني: أنه يقبل، بناء على أن الترك في يده إبطال الإقرار، وقضية كلام الأكثرين ترجيح هذا الوجه ويعزى إلى ابْنِ سُرَيْجٍ، ومن قال به لا يسلم لصاحب الكتاب قوله؛ "لأنه أثبت الحق لغيره"، بل يقول: يشترط كونه إثباتًا سلامته مع معارضة الإنكار، وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان الإقرار بثوب ونحوه، وأما إذا كان إقراره بعبد، فأنكر ففيه وجهان:
أحدهما: يحكم بعتقه؛ لأن صاحب اليد لا يدعيه، والمقر له ينفيه، فيصير العبد في يد نفسه، فيعتق، وهذا كما إذا أقر اللقيط بعد البلوغ بأنه مملوك زيد، فأنكر يحكم بحريته.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه مملوك بالرق، فلا يرفع إلاَّ بيقين، وتخالف صورة اللقيط، فإنه محكوم بحريته بالدار، فإذا أقر، ونفاه المقر له بقي على أصل الحرية، فعلى هذا الحكم فيه ما ذكرنا في الثوب وغيره، فإن كان المقر به قِصَاصًا، أو حد قذف، وكذبه المقر له سقط الإقرار، وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع، فأنكر رب المال السرقة، فلا قطع، وفي المال ما سبق، وإن أقرت بالنكاح، وأنكر سقط حكم الإقرار في حقه.
[فرع]
لو قال من في يده عبدان: إن أحد هذين العبدين لفلان طولب بالبيان، فلو عيّن أحدهما، فقال المقر له إن عبدي هو الآخر، فهو مكذب للمقر في المعين، ومدعٍ في العبد الآخر.
[فرع]
ادّعى على آخر ألفًا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه: قد أقبضتك الألف، وأقام بينة على إقراره بالقبض يوم كذا، وأقام المدعي بينة على إقرار المشتري بعد بينته، بأنه ما أقبضه الثمن بعد، سُمعت وألزم المشتري الثمن؛ وإن قامت البينة على إقراره بالقبض، فقد قامت أيضاً على أن صاحبه كذبه، فيبطل حكم الإقرار، ويبقى الثمن على