للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لو كان مالِكًا في الابتداء، لم يصحَّ منه الاستئجار، وهذا كالنكاح، فإنَّه كما لا يجوزُ أن يتزوَّج أمته كذلك لو اشترى زوجته، ينفسخُ النكاح، ويعبر عن هذا الوجه بأنَّ الإجارة والملْكَ لا يجتمعان.

وأصحُّهما أنَّهَا لا تنفسخ؛ لأنه ملك المنافع أوَلاً ملكاً مستقراً فلا يبطل بما يطرأ مِنْ ملك الرَّقَبة، فإن كانتِ المنافعُ يتْبَعُها أولاً الملْكُ الأوَّل، كما أنه إذا مَلَك ثمرةَ غير مؤثَّرة، ثم اشترى الشَّجرة، لا يَبْطُل ملْك الثمرة، وإن كانتِ المنافع تدخُلُ في الشِّراء، لو لم يملكها أولاً، وفرَقُوا بين النِّكاحِ وما نحنُ فيه بأنَّ ملْكَ الرقَبة في النكاح يغْلِب ملك المنفعة؛ ألا تَرَى أن سَيِّدَ الأمة، إذا زوَّجها لا يجب عليه تسِلْيمها، وإنْ قَبَض الصداق، وفي الإجارةِ ملْكُ المنفعة، يَغْلِبُ ملْكَ الرقبة؛ فإنَّ المؤجِّر، إذا قبض الأجْرَةَ، يجب عليه تسليم العين، وأيضاً فإنَّ المؤجِّر، لم يكن مالكاً للمنفعة حين باع، فلا تصير تلْكَ المنافعُ ملكًا للمشتَرِي بالشِّراء، والسَّيِّد مالكٌ لمنفعة بُضْع الأمة المزوَّجة؛ ألا ترَى أنَّها، لو وُطِئَتْ بالشُّبهة، يكون المهرُ له لا للزَّوْج؟ فإذا باع تقع منافعُ البُضْع المملوكة له رقبتها، وملكها الزَّوْج بالشِّراء، فانفسخ النكاحُ، فإن قلْنا: بِالانفساخ، فهلْ يرجع المستأْجر على المؤجّر بأجْرةِ بقيَّة المدة؟ فيه وجهان:

أحدُهُمَا: لا، وبه قال ابن الحدَّاد؛ لأن المنافع قائمة في يَدِه، وأيضاً، فإنَّه لو اشترَى زوْجَته، لا يسْقُطُ المَهْر.

وأَصَحُّهُما: أنه يرجع؛ لأنَّ الأجرةَ، إنما تستقر بسلامة المنفعة للمستأْجِرِ عَلَى موجِب الإجارة، فإذا انفسخَتِ الإجارة، سقَطَتِ الأجرةُ كسائر أسباب الانفساخِ، ويخالفُ المهْر، فإنَّ استقراره لا يتوقَّف على سلامة المنْفَعَة للزَّوْج، بدليلِ ما إذا ماتَتْ.

ولو فسخ المستأْجِرُ البَيْعَ بعَيْبٍ، لم يكُنْ له الإمساك بحُكْم الإجارة؛ لأنَّها قد انفسختْ بالشراء.

ولو تلفت العيْنُ لم يرجعْ على البائع بشيءْ؛ لأن الإجارة غَيْرُ باقية عنْد التَّلَف حتى تتأثَّر به. وعلى الوَجْه الثَّاني: وهو أنَّ الإجارة لا تَنْفَسِخ بالشِّراء، ففي صورَةِ فسْخ البيع بالعيْبِ، له الإمسَاكُ بحُكْم الإجارة، ولو فسخ عقْد الإجارة، رجَع على البائع بأجرة بقيَّة المدَّة، وفي صورة التَّلَف تنْفَسِخ الإجارةُ بالتَّلَف، وحكْمُه ما سَبَقَ، وتتخرَّج على الخلاف في أنَّ الإجارة والمِلْك، هَلْ يجتمعان؟

[مسائل]

منْها: إذا أوصَى لزيْدٍ برقبة دارٍ، ولعمْرٍو لمنفعتها، فأجَّرها عمروٌ من زَيْدٍ، ففي

<<  <  ج: ص:  >  >>