للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحَّة الإجارة الوجهان (١).

ومنها: لو مات المستأْجر، وورثه المؤجّر، ففي انفساخ الإجارة الوجهان.

ومنها: لو أجر العيْنَ المستأجَرَة منَ المالِكِ، فأحد الوجهين المَنْعُ، ويُحْكَى عن ابن سُرَيْج؛ لاجتماع الإجارة والمِلْك، وأيْضاً، فإن المُكْرِيَ يطالَبُ بالتسليم مدَّة الإجارة، فإذا اكْتَرى ما أكْرَى، كان مُطَالِبَاً ومطَالَباً في عقْدٍ واحدٍ، وذلك لا يُحْتَمَل إلاَّ في حقِّ الأبِ والجَدِّ في مال الصغير وأصحُّهما، وهو المنصوصُ الجوازُ، كما يجوز أن يشْتَرِيَ شَيْئاً، ثم يبيعه مِنْ بائعه، وبهذا الوجه أجاب ابْنُ الحَدَّادِ في هذه المسأْلَةَ، وعُدَّ ذلك من مناقضاته؛ لأنَّه حكم بانْفِسَاخ الإجَارة، إذا اشتَرَى المستأجر ما استأْجَره لامتناع اجتماع الملك والإجَارة، وإنَّه لازمٌ هاهنا ولا فرْقَ بين أن يكتري ثم يَمْلِك، وبين أن يملك ثم يكْتَرِيَ.

قال الشيْخُ أبو عَلِيٍّ: فإنْ قال من نصره: الاسْتِئْجارُ السابقُ لم يَمْنَع صحَّة الشراءِ اللاحِقِ، كذلك المِلْكُ السابِقُ وجب ألاَّ يَمْنَع صحَّة الاستئجار اللاحق، لكنْ تنْفَسِخ الإجَارَة، إذا حَصَلَ الاجتماع، كما انْفَسَخَتْ هناك.

فالجوابُ أنَّ ما ينفسخ إذَا كانَ سابِقاً، وجب ألاَّ يصحَّ، إذا طرأ على ما لا ينقطع؛ أَلاَ تَرَى أن النكاح، لما انفسخ، إذا كَانَ سابِقاً. لم يصحَّ، إذا طرأ على الملك؟

ومنها: إذا أجَّر داراً مِنِ ابْنه، ومات الأبُ في المدة، ولا وارِثَ له سوى الابن المستأجر، وعلَيْه ديونٌ مستغرقةٌ، فيبنى أولاً عَلَى أن الخلاف في أنَّ الوارث، هل، يملك التركةَ، وهناك دَيْنٌ مستغرِقٌ؟

إن قلْنا: لا يَمْلِكُ، بَقِيَتِ الإجارة بحالها، وإن قلْنا: يَمْلِكُ، وهو ظاهرُ المذهب، فعلَى أَظْهَرِ الوجْهَين؛ لا تنفسخ الإجارة، وعلى الثاني الذي إلَيْه ابْنُ الحَدَّادِ: تنفسخ؛ لأنَّ الملك طرأ على الإجارة، كما لو طرأ بطريقِ الشراء، وادَّعَى القاضي الرويانيُّ أَنَّ هذا ظاهرُ المذهَبِ، وإذا انفسخت الإجارةُ، قال ابن الحدَّاد: الابْنُ غريم يُضَارِب بأجرة بقيَّة المدة مع الغرماء، وهو خلاف قوله في الشِّراء، أنه لا يرجع، فمِنْهم من تكلَّف له فرقَيْن:

أَحَدُهُمَا: أنَّ الانفساخَ في صُورة الشِّرَاء حَصَلَ باختيار المسْتَأْجر، وفي الميراث لا صُنْع للمستأجر، فلا يَسْقُط حقُّه.


(١) لأن الملك لا ينافيها؛ ولهذا بشتري ملكه من المستأجر وأجاب على الثاني بأنه إنما ينتقل إلى المشتري ماوإن للبائع والبائع حين البيع ما كان يملك المنفعة بخلاف النكاح، فإن السيد يملك منفعة بضع أمته المزوجة بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد لا للزوج.

<<  <  ج: ص:  >  >>