للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن هناك، الإجارةُ، وإن انفسخت، فلا يَخْرُج البائع منْ يده، وههنا يخْرُج؛ لأن الدار تُبَاع في الدُّيُون، وهما ضعِيفانِ عنْد المُعْتَبَرِينَ.

أما الأوَّل: فلأنَّه، لا فَرْق في سقُوط الأجرة بيْن أن يَفُوت المنافع، ويحصل الانفساخُ بفِعْله أَوْ لا بِفِعْله؛ ألاَ تَرَى أَنَّ هدْم المستأجر الدارَ كانهدامها.

وأما الثاني: فلان بقاء المنافِعِ هناك ليس من مقتضى الإجارة، بل لأنَّها مملوكةٌ بالبَيْع والتملُّك بغير جهة الإجارة لا يقتضي استقرارَ عِوَض الإجارة، وهذا كما لو تقايلا البيع، ثم وهب البائعُ المَبِيعَ من المشتَرِي، لا يستقر عليه الثَّمَنُ. ولو مات [الأبُ] المؤجِّر عن ابنَيْنِ؛ أحدهما المستأجر، فعلى أظهر الوجهين؛ لا تنفسخ الإجارَةُ في شيْءٍ من الدار، وَيسْكُنُها المستأجر إلى انقضاء المدة، ورقبتها بيْنَهُما بالإرْث.

وقال ابن الحَدَّاد: تنفسخُ الإجارة في النِّصْف الذي يملكه المُسْتَأْجِر، وله الرجوعُ بِنِصْف أجرةَ ما انفسخ العقْد فيه؛ لأنَّه قضيَّة الانفساخ في النِّصْف الرجوعُ بنصْف الأجْرَة، لكنه خلف ابنَيْن، والتركةُ في يدهما، والدَّيْن الذي يلحقها يوزَّع، فيخص الرَّاجِع الرُّبُع، ويرجع بالرُّبُع على أخيه فإن لم يترك الميت شيئاً سوى الدَّارِ، بيعَ من نصيب الأخ المرجُوعِ علَيْه بقَدْر ما يثبت به الرُّجُوع، وهذا مستبعدٌ عند الأئمة؛ لأن الابْنَ المستأجِرَ وَرِث نصيبَه بمنافِعِه، وأخوه وَرِثَ نصيبه مسلُوبَ المنفعة، ثم قد تكُون أجْرةُ مثْل الدار في تلْك المدَّة مِثْلَى ثمنها، فإذا رجَع علَى الأخ برُبُعِ الأجرة، احْتاج إِلَى جميع نصيبه، فيكونُ أحَدُهما قد فاز بجميع نَصِيبِهِ، وبِيعَ نصيبُ الآخر وحْده في دَيْنِ المَيِّت. قال الشيخ أبو عَلِيٍّ: ولو لم يحلف إلاَ الابْنُ المستأجرُ، ولا دَيْنَ عليه، فلا فائدةَ فِي الانفساخ ولا أثر له؛ لأنَّ الكلَّ له، سواءٌ أخذ بالإرْث، أو مدَّة الإجارة بالإجَارة، وبعْدها بالإرْث، وسواءٌ أخذ بالدَّيْن أو بالإرْث.

وممَّا يلتحق بصُور الفَصْل ما لو أجَّر البطْن الأوَّل الوقْف من البطْن الثانِي، ومات المؤجّر في المدة، فإن قلْنا: لو أجَّر من الأجنبيِّ، ارتفعت الإجارةُ، فههنا أوَلى، وإلاَّ، فوجْهان من جهة أنَّه طرأ الاَستحقاق في دوامِ الإجَارَة، فأشْبَهَ ما إذا طَرَأ المِلْك.

قال الإمامُ: وهذه الصورةُ أَوَلى بارتفاع الإجارة؛ لأنَّ المالك يستحِقُّ المنفعة؛ تبعاً للرقبة، والموقوفُ علَيْه يستحقُّها؛ مقصوداً لا بالتبعيَّة، وليكن هذا الترتيبُ مبنيَّاً عَلَى أنَّ الموقوفَ عَلَيْه لا يملك الرَّقَبة.

أمَّا إذا قلْنا: إِنَّهُ يَمْلِكُها، فيمكن أن يُقَالَ: هو كالمالك في استحْقاق المنْفَعَة؛ تبعاً للرقبة. وقوله في الكتاب: "وقيلَ إنَّ الإجَارَةَ والمِلْكَ لا يجتمعان" يصحّ ردُّه إلى الصورتين المذكورتَيْن قبله، يعني: فينفسخ الإجارةُ، إذا باع المستأْجر من المستأْجر، ولا تصحُّ إذا أَجَّرَ المستأْجرُ ما استأجر المالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>