للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه لو سافر بإحدى زَوْجَاتِهِ بالقُرْعة ثم نَكَحَ في السَّفَر جديدة، ومنعها حقَّ الزِّفَاف ظُلْماً وباتَ عنْدَ القديمة سبْعاً، وعاد إلى البَلَد قبل أن يَقْضِي للجديدة حقَّ الزِّفَاف [فيوفيها حق الزفاف] (١) ثم يدور على المُخَلَّفَات والجديدة فيقضي لها من يوم القديمة الَّتِي كانَتْ مَعَهُ في السَّفَر، وذلك بأن يبيت عنْد كُلِّ واحدةٍ من المُخَلَّفَات ليلةً وعنْدَ الجديدةِ ليلَتَيْنِ إحداهما لها والأخرى نوبة التي ظلمها بسببها، هكذا يفعل إلى أن يتم لَهَا السَّبْع، وكذا لَوْ كَانَتْ تَحْتَه ثلاثٌ وَنَكَحَ جديدةً ولم يُوَفِّهَا حقَّ الزِّفَاف، بل بات عند واحدة من الثلاث عَشْراً ظُلْماً، فعليه أن يوفي حق الجديدة، ثم يدور عليْهَا وعلى المظلومتين، حتى يتم لكلِّ واحدةٍ عَشْراً واللَّهُ أعْلَمُ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ السَّادِسُ في الشِّقَاقِ): وَلَهُ ثَلاَثةُ أَحْوَالٍ: (الأُولَى): أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْهَا فَلَهُ الْوَعْظُ أَوْ مُهَاجَرَةُ المَضْجَعِ أَوِ الضَّرْبُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الوَعْظَ لاَ يَنْجَعُ كَانَ لَهُ البِدَايَةُ بِالضَّرْبِ، فَإِنْ أَفْضَى الضَّرْبُ إِلَى تَلَفٍ فَعَلَيْهِ الغُرْمُ بِخِلاَفِ الوَلِيِّ فإِنَّهُ يُؤَدِّبُ الطِّفْلَ لاَ لِحَظِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِالمَنْعِ مِنَ المُسَاكَنَةِ وَالاسْتِمْتَاعِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى تَعَبٍ في رَدِّهَا إِلَى الطَّاعَةِ، وَحُكْمُ النُشُّوزِ سُقُوطُ النَّفَقَةِ، فَلَوْ مَنَعَتْ غَيْرَ الجِمَاع مِنَ الاسْتِمتَاعِ احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ مِنَ النَّفَقَةِ بَعْضُهَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الأَمَةِ إِذَا سَلَّمَتْ إِلَى الزَّوْجِ لَيْلاً وَمَنَعَتْ نَهَاراً.

قال الرَّافِعِيُّ: والشِّقَاق بَيْن الزَّوْجَيْن قد يعرف ويظهر سببه، وذلك إمَّا بأن تَنْشُزَ المرأة وتتعدى، أو بأن يتعدى الرَّجُل، وقد لا يظهر ويشكل الحال في أن التعدي من أيهما أو هو منهما فهذه أحوال ثلاثة:

الحال الأولى: أن تتعدى المرأة والقرآن. بعرض لِثَلاثَةِ أُمُورٍ في نُشُوزِ المرأة وَتَعَدِّيهَا الوَعْظَ والهِجْرَانَ، والضَّرْبَ قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٢٨] والمراد من الوعظ أن يخوفها بالله تعالى ويقول لها: اتَّقِي اللَّهَ في الحَقِّ الواجِب عليك، واحْذَرِي العُقُوبَةَ ويبين لها أن النشوز يُسْقِط النفقة وحقَّ القَسْمِ، فقد تتأدب بذلك، والهِجْرانُ المعتبر هو الهِجْرَانُ في المَضْجَع، وله أَثَرٌ ظاهِرٌ في تأدب النساء، وأَما الهجرانُ بالكَلاَم ففي "الحلية" للقاضي الرُّوَيانِيِّ أن في ضمن هجرانها في المضجع الامتناعَ عن الكلام (٢)؛ وهذا إن أراد به الامتناع من الكلام في تلْكَ الحالة، فهو قريب، وإن أراد الامتناع المُطْلَقَ، فهو غريب، والمشْهُورُ المَنْع من الهِجْرَان بالكلام، وفيما علّق عن الإِمام حكايَةُ وَجْهَيْنِ في أنَّه محرمٌ أو مكروهٌ قال: والذي عِنْدِي أنَّه لا يحرم الامتناع من الكلام ابتداءً، نَعَمْ، إذا كُلِّمَ فعليه أن يُجِيبَ، وهو بمثابة ابتداء السلام، والجواب عنْه، ولِمَنْ ذَهَبَ إلَى التَّحْرِيم أن يقُولَ:


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: فإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>