للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الامتناع من الكَلاَم، لا يحرم، إذا لم يَكُنْ على قَصْدِ الهِجْرَانِ؛ لكنَّه إِذا قَصَد الهجْرَان يجوز أن يثبت التَّحْرِيم؛ أَلاَ تَرَى أن الشَّيْء الَّذي يمتنع على قصْد الحِدَاد قد يحرم وإن كان لا يحرم لو امتنع لا على هذا القصد، وقد حكي عن النص أنَّه لو هَجَرَها بالكلام لم يَزِدْ على ثلاثَةِ أيَّامٍ، فإن فعل أَثِمَ (١)، وهذا ترخيص في هِجْرَان الكَلاَم بالقدر المَذْكُور، وتأثيم فيما زاد عَلَيْهِ، وأما الضَّرْب فهُوَ ضَرْبُ تأديب وتعزير، وَقَدْره يتبيَّن في بابِهِ -إن شاء الله تعالى- وينبغي ألا يكون مُبَرِّحاً ولا مُدْمِياً وألاَّ يقع على الوجه، والمقاتل إذا أفضى إلى تَلَفٍ، وجب الغرم؛ لأنَّه تبين أنَّه إتْلاَف لا إصْلاَح.

وقَوْلُهُ في الكتاب: "بِخِلاَفِ الولِيِّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّبُ الطِّفْلَ لاَ لِحَظِّ نَفْسِهِ" ظاهر في أن الوَلِيَّ لا غرم عليه إذا تَوَلَّدَ مِنْ ضَرْبِهِ للصَّبِيَّ تَلَفٌ، لكنه غَيْر مساعد عَلَيْه، كما سيأتي في موضعه -إن شاء الله تعالى- نَعَمْ، ذَكَرُوا أن الزَّوْج وإنْ جاز لَهُ الضَّرْب فالأَوْلَى أن يَعْفُوَ ويُعْرض عنه والوليُّ لا يعرض عن ضرب التأديب عند الحاجة، فإن المَصْلَحَةَ تَرْجِع إلى الصَّبِيِّ، وقد وَرَدَ في الخَبَر النَّهْيُ عن ضَرْب الزوجات، وأشار الشَّافعي -رضي الله عنه- إلى احتمالَيْنِ:

أحدهما: أنَّه منسوخٌ إما بالآية أو بما ورد من الإِذن بضربهن.

والثاني: حمل النَّهْي على الكراهية، أو على أن الأَوْلَى التحرُّزُ عنْه ما أمْكَنَ، وقَدْ يحمل المَنْع على الحَالَةِ الَّتي لم يوجَدِ السَّبَب المجوز للضرب (٢)، إذا عرف ذلك فَلِتَعَدِّي المرأة ثَلاَث مَرَاتِبَ:

إحْدَاها: أن يُوجَدَ مِنْهَا لأمارات النُّشُوزِ قَوْلاً أو فِعْلاً، فالْقَوْلُ مثْل أن تُجيبَهُ بالكَلاَم الخَشِنِ والقَبِيح بَعْد ما عَهِدَ منْها خلاَف ذلك والفِعْل مثْل أن يجد منْها إعراضاً


(١) قال النووي: الصواب، الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم التحريم في الثلاثة؛ للحديث الصحيح "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث". قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر، بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور، فلا تحريم. وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك وصاحبيه، ونهيه -صلى الله عليه وسلم- الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضاً. والله أعلم.
وقال الشيخ البلقيني: الصواب عدم الجزم بالتحريم فيما زاد على ثلاثة أيام في صورة الزوجة التي ظهر منها النشوز فإن النووي نقل من زيادته عن الأصحاب أن هذا في الهجران بغير عذر شرعي إلى آخره وهذا في صورة الزوجة موجود فإنه من الأعذار الشرعية المسوغة لذلك لإِزالة الضرر. انتهى.
وما ذكره الشيخ داخل في كلام الروضة والتقرير الذي ذكره الشيخ يعلم من كلام صاحب الروضة.
(٢) قال النووي: هذا التأويل الأخير هو المختار، فإن النسخ لا يصار إليه إلاَّ إذا تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>