للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البابُ الرَّابعُ فِي الأَوانِي

قال الغزالي: وَهِيَ ثَلاَثة أَقْسَامِ:

الْقِسْمُ الأَوَّلُ- المُتَّخَذُ مِنَ الجُلُودِ، وَاسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الجِلْدُ طَاهراً وَطَهَارَتُهُ بِالذَّكَاةِ فِيمَا يُؤكَلُ (ح) لَحْمُهُ أَوْ بِالدِّبَاغِ فِي الجَمِيعِ إِلاَّ الكَلْبَ (ح) والخِنزِيرَ.

قال الرافعي: جعل الأَوَانِيَ على ثلاثة أقسام؛ لأنها إما أنْ تُتَخَذَ من الجُلُودِ، أو العظام، أو من غيرهما، وعلى الأحوال فالأعيان المتخذ منها إما أن تكون نجسة، فلا يجوز استعمالها في الشرب، والطهارة، وسائر وجوه الاستعمال، أو طاهرة فيجوز، ويستثنى الذهب والفضة على ما سيأتي، وهذه الجملة ظاهرة. نعم الحاجة تمس إلى بيان الطاهر، والنجس من الجلود والعظام، وتمييز أحدهما عن الآخر، وإلى حكم المتخذ من الذهب والفضة فحصر كلام الأقسام الثلاثة في هذه الأمور، وإنما يكون الجلد المتخذ منه الإناء طاهراً في حالتين:

إحداهما: أن يكون جلد المأكول المُذَكَّى فهو على طهارته كاللحم، وسائر الأجزاء، وقد يؤكل الجلد الرُّؤُوس، والمَسْمُوطِ ولا يلحق غير المأكول بالمأكول في ذلك؛ بل جلد غير المأكول نجس وان ذكّي كلحمه (١) خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-.

الثانية: أن يكون مَدْبُوغا، فَالدِّبَاغُ يفيد طهارة الجلد من المأكول وغيره خلافاً لأحمد. لنا ما رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيهِ السَّلاَمُ مَرَّ بِشَاةٍ مَيَّتَةٍ لِمَيمُونَةَ، فقال: "هَلاَّ اتَّخَذتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغتمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقِيلَ: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: أَيُّمَا إِهَابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُر" (٢).


= يبقى قدر لو كان الاختلاط به ابتداء منع الجواز، ولو كان له دنَّان فيهما مائع فاغترف منهما في إناء فرأى فيه فأرة لا يدري من أيهما هي تحرّي، فإن ظهر له أنها من أحدهما بعينه فإن كان اغترف بمغرفتين فالآخر طاهر، وإن كان بمغرفة فإن ظهر بالاجتهاد أن الفأرة في الثاني فالأول على طهارته، وإلا فهما نجسان، وقد أكثرت الزيادة في هذا الباب لمسيس الحاجة إليها فبقيت منه بقايا حذفتها كراهة كثرة الإطالة. والله أعلم. الروضة ١/ ١٤٨ - ١٥٠.
(١) قال النووي: لو ذبح حماراً زمناً أو غير مما لا يؤكل للتوصل إلى دبغ جلده لم يجز عندنا، والله أعلم. الروضة ١/ ١٥١.
(٢) هذا الحديث بهذا السياق لا يوجد، بل هو ملفق من حديثين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثل ما هنا إلى قوله ميته فقال: (إنما حرم أكلها) لفظ مسلم، ولم يقل البخاري في شيء من طرقه فدبغتموه ولأجل هذا عزاه بعض الحفاظ كالبيهقي والضياء وعبد الحق إلى انفراد مسلم به، نعم رواه البخاري عن وجه آخر عن ابن عباس عن سودة قالت: ماتت شاة لنا فدبغنا مسكها الحديث، وأنكر النووي في شرح المهذب على من لم يجعله من المتفق عليه، وفي إنكاره نظر، ورواه =

<<  <  ج: ص:  >  >>