النظر في أن ما لا يكفيه من الماء هل يجب استعماله أم لا؟ إن قلنا: فكما لو لم يبق شيء من الأول، وإلا فكما لو بقي، ولو صَبَّ الماء الثاني في الحالة الأولى أو صبهما جميعاً في الحالة الثانية، ثم تيمم سقط القضاء بلا خلاف (١).
(١) قال النووي: واعلم أن الإمام الرافعي اختصر هذا الباب جداً، وترك أكثر مسائله وأنا إن شاء الله أشير إلى معظم ما تركه. قال أصحابنا: يجوز الاجتهاد في المشتبهين من الطعامين والدهنين ونحوهما في الجنس والجنسين كلبن وخل تنجس أحدهما، وثوب وتراب وطعام وماء، ولنا وجه منكر أنه لا يجوز في الجنسين، حكاه الشيخ أبو حامد وغلطه، ولو اشتبه لبنان ومعه ثالث متيقن الطهارة إن لم يكن مضطراً إلى شربه جاز الاجتهاد فيهما، وان اضطر فعلى الوجهين في الماءين ومعه ثالث. ولو أخبره بنجاسة أحد المشتبهين بعينه من يقبل خبره عمل به، ولم يجز الاجتهاد، فإن كان معه إناءان فقال عدل: ولوغ الكلب في هذا دون ذاك، وقال آخر: في ذاك دون هذا، حكم بنجاستهما لاحتمال الولوغ في وقتين، فإن عينا وقتاً بعينة عمل بقول أوثقهما عنده على المختار الذي قطع به إمام الحرمين. فإن استويا فالمذهب أنه يسقط خبرهما، وتجوز الطهارة بهما، وفيه طرق للأصحاب، وتفريعات طويلة أوضحتها في شرحي (المهذب) و (التنبيه). ولو قال عدل: ولغ في هذا الاناء هذا الكلب في وقت كذا فقال آخر: كان هذا الكلب في ذلك الوقت ببلد آخر فالأصح طهارة الاناء لتعارض. والثاني: النجاسة لاشتباه الكلاب، ولو أدخل الكلب رأسه في الإناء وأخرجه ولم يعلم ولوغ فإن كان فمه يابساً فالماء على طهارته، وإن كان رطباً فالأصح الطهارة للأصل. والثاني: النجاسة للظاهر، وإذا توضأ بالمظنون طهارته ثم تيقن أنه كان نجساً أو أخبره عدل لزمه إعادة الصلاة، وغسل ما أصابه الماء من بدنه وثوبه. ويكفيه الغسلة الواحدة عن النجاسة والحدث جميعاً إذا نوى الحدث على أصح الوجهين عند العراقيين، وهو المختار خلاف ما جزم به الرافعي وجماعة من الخراسانيين: أنه لا بد من غسلتين. ولنا قول شاذ في (الوسيط) وغيره: أنه لا تجب إعادة هذه الصلاة كنظيره من القبلة، وله توضأ بأحد المشتبهين من غير اجتهاد، وصلى، وقلنا بالصحيح أنه لا يجوز فبان أن الذي توضأ به هو الطاهر، لم تصح صلاته قطعاً، ولا وضوؤه على الأصح؛ لتلاعبه وكنظيره في القبلة والوقت. ولو اشتبه الإناءان على رجلين فظن كل واحد طهارة إناء بإجتهاده لم يقتد أحدهما بالآخر. فلو كانت الآنية ثلاثة نجس وطاهران فاجتهد فيها ثلاثة رجال وتوضا كل بإناء وأمهما واحد في الصبح وآخر في الظهر وآخر في العصر فثلاثة أوجه، الصحيح الأشهر: قول ابن الحداد: يصح لكل واحد التي أَمَّ فيها والاقتداء الأول، ويتعين الثاني للبطلان. والثاني قول ابن القاص: لا يصح له إلا التي أَمَّ فيها. والثالث: قول أبي إسحاق المروزي: تصح التي أَمَّ فيها، والاقتداء الأول إن اقتصر عليه، فإن اقتدى ثانياً بطلا جميعاً، وإن زادت الآنية والمجتهدون أو سمع من الرجال صوت حدث فتناكروه فحكم كله خارج على ما ذكرته. وقد ذكر الرافعي -رحمه الله- المسألة في باب (صفة الأئمة). وهذا الموضع أنسب. ولو وجده قطعة لحم ملقاه فإن كان في البلد مجوس ومسلمون فنجسه فإن تمحض المسلمون فإن كانت في خرقة أو مكتل مظاهرة وإن كانت ملقاة مكشوفة فنجسة، ولو اشتبهت ميتة بمذكيات بلد أو إناء بول بأواني بلد، فله أخذ بعضها بالاجتهاد بلا خلاف، وإلى أي حد ينتهي؟ فيه وجهان مذكوران في (البحر) أصحهما إلى أن يبقى واحد. والثاني: إلى أن =