للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليستِ الريحُ تحت ضَبطِه، والدابَّةُ زمامُها وعنانُها بيده، فإذا غلبته، دلَّ ذلك على سوء فروسيته وتقصيره، ويجْري الوجهانِ فيما إذا غَلَبَتِ الدابَّةُ راكبَها، أو سائِقَها، وأتلفتْ مالًا، هل يسقط الضمانُ عنه؟

ويجوز أن يُعْلَم لذلك قولُهُ في الكتاب: "على أَحَدِ القوليْنِ" بالواو، ولا فرق في اصطدام الراكبَيْن بين أن يتَّفِقَ جنْسُ المركوبَيْن، أو يختلفَ الجنْس والقُوَّة؛ بأن يكون أحدهما راكبًا بعيرًا، أو فرسًا، والآخر راكبًا بغلًا أو حمارًا، ولا في الراجلَيْنِ بَيْن أن يتَّفِق سيرهما قوَّةً وضعفًا، أو يختلفَ، بأنْ كان أحدهما يعْدُو، والآخر يمْشِي، ولا بَيْن أن يكونَا مقبلَيْن أو مدبرَيْن؛ كما إذا جرت (١) الدابَّتان، فاصطدما من خَلْف، أو أحدُهما مقبلًا، والآخر مدبِرًا؛ لأنَّ الاصطدام والحركة المؤثِّرة إذا وجدتْ منهما جميعًا، اكتفى به، ولم ينظر إلى مقادير المؤثِّر، وتفاوت التأثيرِ كالجراحَةِ الواحدة والجراحات، نَعَمْ، قال الإمامُ: لو كانتْ إحدى الدابَّتين ضعيفةً؛ بحيث يقطع بأنّه لا أثر لحركتها، مع قوة الدابَّة الأخرى، فلا يناط بحركتها حُكْم؛ كغرز الإبْرة في جلْد العَقِب مع الجراحات العظيمة (٢)، ولا فَرْق بين أن يقع المُصْطَدِمان مُنكَبَّيْنِ أَو مُسْتَلْقِيَيْنِ، أو أحدهما منكبًّا، والآخر مستلقيًا، وقال أبو حنيفةَ: إنما يجبُ الضمان، إذا وقعا مُسْتَلْقِيَيْنِ، فأما إذا وقعا منكبَّيْنِ، فهما مُهْدَران؛ لأن الانكباب إنما يحصل بفعل المنكَبِّ، لا بفعل الآخر، وإذا وَقَع أحدهما منكبًّا، والآخر مستلقيًا، فالمنكب هَدَر، وضمان المستلقي على عاقلة المُنْكَبِّ، وعن المُزَنِيِّ؛ أنه ساعده في "المنثور" فيما إذا وقع أحدهما منكبًّا، والآخر مستلقيًا، وعن صاحب "التلخيص" مثله؛ تخريجًا، ويقال: إنه وافق أبا حنيفةَ في المنكبَّيْنِ أيضًا، وإنَّ الأصحاب مَنْ تابعه عَلَى تخريجه، وعامتهم قالوا: الانكبابُ أثرُ الصَّدْمة، والصدمة بينهما، فأشبه الاستلقاء، ولو اصطدم ماشٍ وراكبٌ لطول الماشِي (٣)، وهَلَكا، فالحكم عَلَى ما بيَّنَّا.

" فَرْعٌ"

تجاذب اثنانِ حَبْلًا، فانقطع وسقَطَا، وماتا، فيُهْدَر من دية كلِّ واحد منْهما النصفُ، ويجب النصفُ على عاقلة الآخر؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما هَلَك بفعْلِ نفسه وفعْلِ الآخر، ولا فرق بين أن يقعا منكبَّيْن أو مستلْقِيَيْنِ، أو أحدهما هكذا، والآخر هكذا،


(١) في ز: خربت.
(٢) لم يبين الحكم على هذا والحكم أنه ينزل صاحب الدابة الضعيفة منزلة الواقف فيهدر صاحب الدابة القوية وعلى عاقلته دية الماشي.
(٣) في ز: بطول الماشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>