للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَابُ الثَّانِي فِي السُّكْنَى

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَالنَّظَرُ في أَمْرَيْنِ: (الأَوَّلُ في المُسْتَحِقَّةِ) وَهِيَ المُعْتَدَّةُ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً* وَفِي المُعْتَدَّةِ عَنِ الوَفَاةِ قَوْلاَنِ* وَفِي المُعْتَدَّةِ عَنِ الفَسْخِ طَرِيقَانِ* وَقِيل: قَوْلاَنِ * وَقِيْلَ: لاَ سُكْنَى لَهَا قَطْعاً، وَإِنْ كَانَ الفَسْخ تَعَلَّقَ باختِيَارِهَا أوْ عَيْبِهَا* وَإِنْ كَانَ بِرِدَّةِ الزَّوْج فَقَوْلاَنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ضمن الكلام في السكنى طرفين:

أحدهما: فيمن تستحق السكْنَى.

والثاني: فيما يتعلَّق بتوفية هذا الحَقِّ، ولكل واحدٍ من الطرفين أصولٌ ومسائلُ أُخَرُ تتعلَّق بالسكنى لا تُنْبِئ عنها الترجمتان، أما الطَّرَف الأول، فالمعتدات أنواع:

منها: المعتدة عن طلاق رجْعِيِّ أو بائن؛ لكونه على عوض، أو لاستيفاء الثلاث، فلها السكْنَى حاملاً كانت أو حائلاً، قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦]، {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [وَلَا يَخْرُجْنَ]} [الآية] (١) [الطلاق: ١] وذهب أحمد إلى أنه لا سُكْنَى للبائنة، و [قد] روى أبو سليمان الخَطَّابِيُّ عنه موافقة الجمهور.

ومنْها: المعتدَّة عن الوفاة في استحقاقها السُّكْنَى قولان:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزنيُّ: المنع؛ لأنه لا نفقة لَهَا، وإن كانت حاملاً، فلا سُكْنَى لها كالموطوءة بالشبهة، وُيرْوَى أن عليًّا -عليه السلام- نقل ابنته أم كلثوم بعدما استشهد عمر -رضي الله عنه- بسبع ليالٍ.

والثاني: تستحق، وبه قال مالك وأحمد؛ لما رُوِيَ أن فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخُدْرَيُّ قُتِلَ زوجها، فسألَتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ترجع إلى أهْلِها، وقالت: إنَّ زَوْجي لم يَتْرُكْني في منْزِلٍ يملكه، فأَذِنَ لها في الرجوع، قالت: فانصرفتُ حتى إذا كنتُ في الحُجْرة أو في المسجد دعاني، فقال: "امكثي في بَيْتِك، حتى يبلغ الكتابُ أجَلَه، قالت فاعتددتُّ فيه أربعة أشْهُرٍ وعشْراً" ومَنْ قال بالأوَّل، قال: قوله "امكثي في بيتك" ندْبٌ لها إلى الاعتداد في ذلك البيت، والمذكرر أوَّلاً بيان أنه لا سكْنَى لها، وذَهَب كثيرٌ من الأصحاب إلى بناء القولَيْن على التردُّد في أن حديث فريعة مُنزَّلٌ على هذا التنزيل أو الأول حكم بأنه لا سكنى لها، والذي ذكره آخراً ينسخ الأول، وربما


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>