للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قوله: (بانتصاف ليلة النحر) مُعَلَّم بالحَاءِ والميم؛ لما تقدم.

وقوله: (ولا خلاف في أنه مستحب، ويلزم بالنذر)، ليس صافياً عن الإشكال؛ لأن التوجيه الذي مَرَّ يقتضي كونه من المباحات على قولنا: إنه ليس بنسك، وقد ذكر غيره أنه إنما يلزم بالنذر على قولنا: إنه نسك.

وقوله: (فيستحب إمرار الموسى) مُعَلَّم بالحاء. وقوله: (ولا يتم هذا النسك إلى آخره) بالواو، ولا نُعَلِّمه بالحاء والميم؛ لأنهما لا يخالفان في عدم الاكتفاء بأقل من ثلاث، بل لا يكتفيان بالثَّلاث أيضاً، -والله أعلم-.

قال الغزالي: الفَصْلُ الثَّامِنُ في المَبِيْتِ وَالمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ العِيدَ وبمنىً ثَلاَثَ لَيَالٍ بَعْدَهُ نُسُكٌ، وَفِي وُجُوبِهِ قَوْلاَنِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ وَاجِبٌ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ (ح)، وَفِي قَدْرِ الدَّمِ قَوْلاَنِ: أَحدهُمَا: دَمٌ وَاحِدٌ لِلْجمِيعِ. وَالثَّاني: دَمٌ لِمُزْدَلِفَةَ وَدَمٌ لِلَيَالي مِنىً.

قال الرافعي: مبيتُ أرْبَع ليالٍ نُسُكٌ في الحَجِّ: ليلة النحر بمزدلفة، وليالي أَيَّام التَّشْرِيِق بِمِنىً، لكن مبيت الليلة الثالثة منها ليس نسكاً على الإطْلاَق، بل في حق من لم ينفر اَليوم الثاني من أيام التشريق، على ما سيأتي في الفَصْلِ التاسع، ولفظ الكتاب محمول عليه وإن كان مطلقاً.

وفي الحد المعتبر للمبيت قولان حكاهما الإِمَامُ عن نَقْلِ شَيْخِهِ وصَاحِبَ "التقريب".

أظهرهما: أن المعتبر كونه بموضع المبيت في مُعْظَمِ اللَّيْلِ.

والثاني: أن الاعتبار بِحَالِ طُلُوعِ الفَجرِ، قال الإمام: وطردهما على هذا النَّسَق في مُزْدَلِفَةُ مُحَال (١)؛ لأنا جوزنا الخُروجَ مِنْهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، ولا ينتهون إليها إلاَّ بَعْدَ غيبوبة الشَّفَقِ غَالِباً، ومن انتهى إليها والحالة هذه وخرج بعد انتصاف الليل لم يكن بها حال طُلُوع الفَجْرِ، ولا فِي مُعْظَم اللَّيْلِ، فلا يتجه فيها إذًا الاعتبار حالة الانتصاف، ولك أن تقول: هذه الاستحالة واضحة إن قيل بوجوب المبيت، لكنه مستحبٌ على قول، وليس بواجب، فعلى ذلك القول لا يستحيل الندب إلى الكون بها في معظم الليل، أو حالة الطّلوع، وتجويز خلافه.

ثم هذا النُّسُك مجبورٌ بِالدَّمِ، وهل هُوَ وَاجِبٌ أو مستحب؟ أما في ليلة مزدلفة فقد مَرَّ. وأما غيرها ففيه قولان:


(١) قال النووي: المذهب ما نص عليه الشافعي -رحمه الله- في "الأم" وغيره أن الواجب في مبيت المزدلفة ساعة في النصف الثاني من الليل. ينظر الروضة (٢/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>