للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وَاجِبٌ؛ لِما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَرَكَ نُسْكاً فَعَلَيْهِ دَمٌ" (١).

والثاني: مستحب؛ لأنه غير لاَزِمٌ على المعذور كما سيأتي، ولو وجب الدَّمُ لما سَقَطَ بِالْعُذْرِ كالحَلْقِ وَاللَّبْسِ.

وروى القَاضِي ابْنُ كَجٍّ: طريقة أخرى قَاطِعةً بالاسْتِحْبَاب، والمشهور طريقة القولين (٢). ثم منهم من بناهما على قولين في أن المبيتَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أم لا؟

في قول: نوجبه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "قَدْ أَتَى بِهِ وَقَدْ قَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" (٣).

وفي قول: لا، كالمبيت ليلة عَرَفَةَ، وأشار الإمام إلى أن القولين في وجوب المبيت مُتَولِّدَانِ من القولين في وجوب الدَّمِ.

وما الأظهر منهما؟ اتفقوا على تشبيههما بالقولين في أن الدَّم على المفيض من عَرَفَةَ قبل الغُروب وَاجِبٌ أو مستحب، وقد أريناك ترجيح قول الاستحباب ثم، فيشبه أن يكونَ هَاهُنَا مثلهَ. وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ القَاضِي ابْنُ كِجٍّ وغيره، وكلام كَثِيرين: يميل إلى تَرْجِيح الإِيْجَابِ، -والله أعلم-.

وقوله في الكتاب: (وفي وجوبه قولان) فإن قلنا: إنه واجب فيجبر بالدَّمِ، أراد فيجبر بالدَّمِ وجوباً، وإلا فأصْلُ الجَبْرِ لا يتفرع على قولنا بوجوب المَبِيت خَاصة.

ثم هو بناء لِلْخُلاَفِ في وُجوب الدَّم على الخِلاَفِ في وجوب المبيت على ما نقلناه عن جَمَاعَةٍ مِنَ الأَصْحَاب، بقَي الكَلام في أن الدَّمَ متى يكمل وهل يزيد على الواحد أم لا؟ إن ترك مبيت ليلة النحر وحدها أراق دماً، وإن ترك مبيت اللَّيَالِي الثلاث فكذلك على المَشْهُور؛ لأن مبيتهما جِنْسٌ واحد متوزع عليهما توزع الرمي على الجَمَرَاتِ الثلاث. وعن صاحب "التقريب" رواية قول: إن في كل ليلة دماً كما أن في رمي كل يوم دماً، وإن ترك ليلة منها فبم يجبر؟ فيه ثلاثة أقوال:

أظهرها: بمد.

والثاني: بدرهم.

والثالث: بثلث دَمٍ، وهي كالأقوال في حَلْقِ شعرة واحدة، وسنذكرها بتوجيهها.

وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس وإن ترك مبيت الليالي الأربع فَقَوْلاَن:


(١) تقدم.
(٢) قال النووي: الأظهر الإيجاب. ينظر الروضة (٢/ ٣٨٥).
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>