والآخر: لليالي مِنَى؛ لاختلافهما في الموضع وتفاوتهما في الأحْكَام.
قال الإمام: وهذا في حَقِّ من يقيد الليلة الثالثة بإن كان بمنىً وَقْتَ الغُروب؛ فإن لم يكن بها حِينَئذٍ، ولم يبت، وأفردنا ليلة مزدلفة بدم فوجهان؛ لأنه لم يترك مبيت النسك إلا ليلتين:
أحدهما: عليه مُدَّانِ أو دِرْهَمَانِ أو ثلثَا دَمٍ.
والثاني: عليه دَمٌ كَامِلٌ؛ لتركه جنس المبيت بمنى، قال: وهذا أفقه، ولا بد من عوده فيما إذا ترك ليلتين من الثلاث دون ليلة مزدلفة إذا لم تقيد الثَّالِثَة.
وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يَجِبْ الدّم بترك المبيت بمنى، وهو رواية عن أحمد -رحمه الله-.
واعلم أن جميع ما ذكرناه في حلق غير المعذور.
أما إذا ترك المبيت لعُذْرِ فهو مذكور في آخر الفَصْلِ.
قال الرافعي: لما ذكر الخلاف في أن المبيت إذا ترك هل يجب جَبْرُهِ بالدَّم؟ وقدم نظيره في الجَمْعِ بين اللَّيْلِ والنَّهَارِ بِعَرَفَةَ، أراد أن يجمع قولاً فيما يجبر من الَمَنَاسِكِ بالدَّمِ وما لا يجبر وِفَاقاً، وما هو على الِخلاَف، ويتضح ذلك بتقسيم أعْمَالِ الحَجِّ وهي ثلاثة أقسام: أركان، وأبعاض، وهيآت، وسبيل الحَصْرِ أن كُلَّ عَمَلِ يعرض فإما أن يتوقف التَّحَلّل عليه فَهُوَ رُكْنٌ، أو لا يتوقف، فإما أن يجبر بالدَّمِ فهو بَعْضٌ، أو لا يجبر فهو هَيْئَة. والأركان خمسة: الإحرام، والوقوف، والطواف والسعي، والحلق أو التقصير تفريعاً على قَوْلِنَا: إنه نُسُكٌ فَإنْ لم نَقُلْ بِهِ عادت إلى أربعة، وَمَا سِوَى الوقوفِ أركان في العُمْرَة أيضاً، ولا مَدْخَلَ للجُبْرَانِ فِيهَا بِحَالٍ.
واعلم أن الترتيب معتبر في أركان الحج؛ لأن ما عَدا الإحْرَام لاَ بُدَّ وأن يكون مؤخراً عنه، وأن الحَلْقَ والطوافَ لا بُدَّ وأن يكونَا مؤخرين عن الَوُقُوفِ، والسَّعْيُ لا بد وأن يكون مؤخراً عن طَوَافٍ، وإذا كان كذلك جاز أن نَعُدَّه مِنْ الأرْكَان، كما عدوا