للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرْتِيبَ مِنْ أَرْكَانِ الوضوء والصَّلاَةِ. ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الحَلْقِ والطَّوَافِ، كما لا يقدح عدم اعتبار الترتيب بين القيام والقراءة في الصَّلاَةِ.

وأما الأبْعَاضُ فمجاوزة المِيقَاتِ والرَّمْيُ مَجْبورَانِ بالدَّم وِفَاقاً. أما الأول فقد مَرَّ وأما الثاني فسيأتي، واختلف القول في خبر الجَمْعِ بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بعرفة، وفي المبيت، وقد ذَكَرْنَاهُمَا في طَوَافِ الوَدَاعِ، وسنذكره، فما جبر فهو من الأبعاض، وما لا فمن الهيآت، وفي طواف القدوم أيضاً وجه بعيد، سنذكره إن شاء الله تعالى.

قال الغزالي: وَلاَ دم عَلَى مَن تَرَكَ المَبِيتَ بِعُذْرٍ كَرُعَاةِ الإِبْلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ العَبَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ إلاَّ لَيلَةَ النَّحْرِ، وَفِي إلْحَاقِ غيْرِ هَذِهِ الأَعْذَارِ بِهَا وجْهان.

قال الرافعي: التاركون للمبيت بِمِنى أو مزدلفة بالعُذْرِ لاَ دَمَ عَلَيْهِمْ، وهم أصناف: فمنهم رُعَاةُ الإِبلِ ومنهم أهل سِقَايَةِ العَبَّاسِ، فلهؤلاء إذا رَمُوا جَمْرة العَقَبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أن يَنْفرُوا وَيَدَعُوا المَبيتَ بِمِنىً لَيَالِي التَّشْرِيق؛ لما روى عن ابْنِ عُمَر أن العَبَّاسِ رَضِي الله عنه "اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنْ يَبِيتَ بمَكَّةَ لَيَالِي مِنىً مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ، فَأَذِنَ لَهُ" (١).

وعن عاصم بن عدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ أن يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنىً، وَيَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ يَرْمُوا يَوْمَ النَّفْرِ الْأوَّلِ" (٢).

وللصنفين جميعاً أن يَدَعُوا رمي يوم ويقضوه في اليَوْمِ الَّذِي يليه قَبْلَ رمي ذلك اليوم، وليس لهم أن يَدَعُوا رَمْيَ يومين عَلَى التَّوَالِي، فَإِنْ تركوا رَمْيَ اليَوْمِ الثَّانِى، بأن نفروا اليَوْمَ الأول بَعْدَ الرَّمْي، عادوا في اليَوْم الثَّالِثِ، وإن تَرَكُوا رَمْيَ اليَوْمِ الأول، بأن نفرُوا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْي، عَادُوا في اليَوُمَ الثَّاني، ثم لهم أن يَنْفُروا مَعَ النَّاسِ، وعن أبي الحُسَيْنِ وجه آخر: أنه لَيْسَ لَهُم ذَلِكَ.

وَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ والرُّعَاةُ بِمِنىً فعليهم أن يبيتوا تلك الليلة ويرموا من الغَدِ، ولأهل السِّقَايَةِ أن ينفروا بَعْدَ غُروبِ الشَّمْسِ.

والفرق أن الإِبل لا ترعى باللَّيْلِ والماءُ يجمع وتتعهد السِّقَايَةُ باللَّيْلِ.

وَأَغْرَبَ أبو عبد الله الحَنَّاطِيُّ فحكى وَجْهاً: أن أهل السِّقَايَةِ أيضاً لا ينفرون بَعْدَ الغُرُوبِ، ثم رخصة أهل السِّقَايَة لا تختص بالعَبَّاسَّيِةِ؛ لأن المعنى يَعُمُّهُم وغيرَهم.


(١) متفق عليه أخرجه البخاري (١٦٣٤) ومسلم (٣٤٦/ ١٣١٥).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٨٤ - ٢٨٥) والترمذي (٦٥٤ - ٦٥٥) وقال: حسن صحيح، وأخرجه أبو داود (١٩٧٥ - ١٩٧٦) والنسائي (٥/ ٢٧٣) وابن ماجة (٣٠٣٦، ٣٠٣٧) وذكره الهيثمي في الموارد (١٠١٥) والحاكم في المستدرك (١/ ٤٧٨) وقال: صحيح الإسناد.

<<  <  ج: ص:  >  >>