للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك لا يلزمْهُ إلا نصْفُ المسمَّى، وإذا لم يملك إلا النصْف، لم يُغَرَّم له إلا النِّصْف.

والثاني: وبه قال أبو إسحاق: القطْع بتقرير النصَّيْن، والفَرْق أن الرِّضَاع يوجب الفُرْقة حقيقةً، وحقيقةُ المفارقة قبْل الدخول لا توجب إلا النصف كالمفارقة بالطلاق، وفي الشهادة؛ النِّكاحُ باقٍ في الحقيقة بزعم الزوج والشاهدَيْن، لكنهما بالشهادة حَالاَ بينه وبين البُضْع، فيُغرَّمان قيمته، كالغاصب يحول بين المالك والمغصوب، وحكى الشيخ أبو عليٍّ -رحمه الله- وآخرون على طريقة إثبات الخلاف قولَيْن:

أَحدهما: أنَّه يَرْجِع بنِصْف المسمَّى؛ لأنَّه الذي يُفَوَّت على الزوج، وينسب هذا إِلى رواية القَفَّال، وفي شرح "مختصر الجوينيِّ": أن القفَّال خَرَّجه من الضمان، إذا ضمن ألْفاً، وأدى خَمْسَمَائة، لا يرجِعِ إِلا بما ضَمِنَ، والرابع: أنَّه يرجع بتمام المُسمَّى؛ لأنه قد التزمه، والتشطير أمر ثَبَتَ على خلاف القياس، فيختص بالزوجين، وقد أورد صاحب الكتاب أربعتها والصحيح منْها عند الشيخ أبي عليٍّ والإمام وجماعة: أنَّه يَرْجِع بتمام مهْر المثل، وعند الأكثرين: يرجع بنِصْفِه، ويجوز أن يُعْلَم قوله: "ويجب على المرضعة" بالميم، وقوله: "تمام مهر المثل" بالحاء والألف، وكذا قوله: "ونصفه"، وقوله: "وتمام المسمى على قول، ونصفه وعلى قولٍ" بالواو؛ للطريقة القاطعة، والقول في غُرْم شهود الطَّلاق يَعُود في كتاب الشَّهَادات، ورُبَّما تكرَّر بعْض ما ذكَرْناه هناك.

فُرُوعٌ:

الأول: لو نكح العَبْدُ صغيرة، فأرضعَتْها أمه، وانفسخ النكاحُ، فللصغيرةِ نِصْفُ المُسمَّى في كَسْبه، ولسيده الرجوعُ على أمِّ العَبْد بالغرم، قال في "التتمة": وإِنما أثبتنا للسيد الرجُوعَ علَيْها, لأنَّ العَبْد إذا خَالَع زوْجَتَه، كان العوض للسَّيِّد، فكذلك إذا وَجَبَ المَال بتفْوِيت البُضْع علَيْه.

والثاني: عن ابن الحدَّاد -رحمه الله- أنَّه لو كانت الصغيرةُ مفوَّضةً، وأرضعتها أُمُّ الزوج، فالواجب لها عَلَى الزوج المتعة، والزوج يرجع على المُرْضِعة بالمُتْعَة.

قال الأئمة -رحمهم الله-: وهذا إِنما يُتصوَّر أَوَّلاً فيما إِذا كانَتِ الصغيرةُ أُمَّةً، فَزَوَّجَها السيِّدُ بلا مَهْر، وأَمَّا الحُرَّة الصغيرة، فلا يُتصوَّر في حقِّها التفويض (١)، ثُمَّ القَوْلُ "بأن الزوج يَرْجِع بالمتعة، يوافق من الأقوال المذكورة القَوْلَ الذاهبَ إلى أَنه


(١) وما ذكره من كلام ابن الحداد إنما يجيء إذا قلنا في غير المفوضة يرجع بنصف المسمى ممنوع بل هو مفرع على الأصح وهو الرجوع بنصف مهر المثل.

<<  <  ج: ص:  >  >>