للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينجس إلا بالتغير، كالماء الذي تزال به النجاسة، لكن المذهب الذي عليه الجمهور، الفرق بين القليل والكثير، كما في الرَّاكِد، ونجاسة القليل بمجرد الملاقاة، وتدل عليه الأخبار الفارقة بين القليل والكثير، فإنها تَعُمُّ الرَّاكِدَ والجاري.

والثاني: لم يتعرض في تفصيل النجاسة الجَامِدَةِ للفرق بين القليل من الماء والكثير، ولا بد منه لأنه لا يمكن أن تكون مَسَائِلُه كلها مفروضة في الكثير وحده، ولا في الكثير والقليل جميعاً، وإلاَّ كان الوجهان في نجاسة الماء الجاري على المَيْتَةِ جاريين في الكثير الذي تبلغ كل جَرْيَةٍ منه قلتين فصاعداً، وهذا محال، ولا يمكن أن تكون كلها مفروضة في القليل وحده، وإلا كان خلاف التباعد جارياً فيما على يمين النجاسة ويسارها مع قلة الماء وهو بعيد؛ بَلِ الوَجْهُ الحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ عند القلة وكذلك ذكره صاحب "التهذيب" (١) وغيره.

الثالث: قضية كلام الأكثرين تصريحاً، وتلويحاً، أنه لا فرق بين الحَرِيمِ وغيره لا فِي الرَّاكِدِ ولا في الجَارِي على خلاف ما ذكره. لأنه إما أن يكون طاهراً في نفسه، أو نجساً، إن كان طاهراً، فلا معنى لوجوب الاجتناب، وإن كان نجساً، فيلزم نجاسة ما يجاوره بملاقاته حتى يتعدى إلى جميع [الراكد وإلى جميع] (٢) ما في عرض النهر في الماء الجاري.

الْفَصْلُ الرَّابعُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ

قال الغزالي: فَإِنْ كَانَتْ حُكمِيَّةَ فَيَكْفِي إِجْرَاءُ المَاءِ عَلَى مَوْرِدِهَا، وَإنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً فَلاَ بُدَّ مِنْ إِزَالَةِ عَيْنَها، فَإِنْ بَقِيَ طَعْمٌ لَمْ يَطهُرْ لأنَّ إِزَالَتَة سَهْلٌ، وَإاِنْ بَقِيَ لَوْنٌ بَعْدَ الحَتِّ وَالقَرْضِ فَمَعْفُوٌ عَنْهُ، وَالرَّائِحَةُ كَاللَّوْنِ عَلَى الأَصَّحِّ.


(١) الحسين بن مسعود بن محمد العلامة محيي السنة أبو محمد البغوي، ويعرف بابن الفراء تارة، وبالفراء أخرى. أحد الأئمة تفقه على القاضي الحسين. وكان ديناً عالماً عاملاً على طريقة السلف، وكان لا يلقى الدرس إلا على طهارة، وكان قائماً باليسير يأكل الخبز وحده، فعدل في ذلك فصار يأكله بالزيت. قال الذهبي: كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الفقه. بورك له في تصانيفه، ورزق القبول لحسن قصده وصدق نيته. له التهذيب، وشرح السنة وغير ذلك. توفي بمرو الروذ في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة. انظر ابن قاضي شهبة ١/ ٢٨١. ووفيات الأعيان ١/ ٤٠٢، وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٥٨، والنجوم الزاهرة ٥/ ٢٢٤، وشذرات الذهب ٤/ ٤٨. وانظر ابن خلكان ١/ ٤٠٢، وابن السبكي ٤/ ٢١٢، البداية والنهاية ١٢/ ١٩٣، والتهذيب لابن عساكر ٤/ ٣٤٥.
(٢) سقط في ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>