للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: الشيء النجس يَنْقَسِمُ إلَى نَجِسِ العَيْنِ وغيره، أما نجس العين فلا يطهر بحال إلا الخمر تطهر بالتَحَلُّلِ، وجلد الميتة يطهر بالدِّبَاغِ، والعَلَقَةُ والمُضْغَةُ، والدم الذي هو حَشْوُ البيض إذا نجسناها فاستحالت حَيَوَاناً. وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حُكْمِيَّةٍ وإِلى عَيْنِيَّةٍ:

أما الحكمية فهي: التي لا تحس مع تَيَقُّنِ وجودها، كالبول إذا جَفَّ على المحل ولم توجد له رائحة، ولا أثر فيكفي إجراء الماء على موردها إذ ليس ثم ما يزال ولا يجب في الإجراء عدد خلافاً لأبي حنيفة حيث شرط في إزالة النجاسة الحكمية الغسل ثلاثاً في رواية. وفي رواية الشرط أن يغلب على ظن الغَاسِلِ طهارته، ولأحمد حيث قال في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ: يشترط الغسل سَبْعاً في جميع النجاسات كما في نجاسة الكلب. لنا قوله -صلى الله عليه وسلم- لأسماء -رضي الله عنها-: "حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء" (١) أمرها بالغسل من غير اعتبار عدد.

وأما العَينِيَّةُ فلا يكفي فيها إجزاء الماء؛ بل لا بد من محاولة إزالة أوصافها الثلاثة: الطعم، واللون، والرائحة، أو ما وجد منها، فإن بقي طعم لم يطهر سواء بقي مع غيره من الصفات، أو وحده، لأن الطعم سَهْلُ الإِزَالَةِ، ويظهر تصويره فيما إذا دَمِيَتْ لَثَتُهُ، أو تنجس (٢) فوه بنجاسة أخرى، فغسله فهو غير طاهر ما دام يجد طعمه في


(١) قال الحافظ أخرجه الشافعي ثنا سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دم الحيضة يصيب الثوب فقال: حتيه ثم اقرصيه بالماء ورشيه وصلي فيه، ورواه عن مالك عن هشام بلفظ: أن امرأة سالت، وهذه الرواية في الصحيحين، وفي الأربعة بهذا اللفظ، وأما بلفظ: ثم اغسليه بالماء فذكره الشيخ تقي الدين في الإمام من رواية محمد بن إسحاق بن يسار عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء. قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته امرأة عن دم الحيض يصيب ثوبها فقال: اغسليه. قلت: ورواه ابن ماجة بلفظ (اقرصيه، واغسليه، وصلي فيه). ولابن أبي شيبة (اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه) وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان من حديث أم قيس بنت محصن (أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: حكيه بصلع واغسليه بماء وسدر) قال ابن القطان: إسناده في غاية الصحة، ولا أعلم له علة. قال الحافظ ابن حجر: (تنبيه) زعم النووي في شرح المهذب أن الشافعي روى في الأم أن أسماء هي السائلة بإسناد ضعيف، وهذا خطأ بل إسناده في غاية الصحة، وكأن النووي قلد في ذلك ابن الصلاح، وزعم جماعة ممن تكلم على المهذب أنه غلط في قوله أسماء هي السائلة، وهم الغالطون والله أعلم. انظر التلخيص ١/ ٣٥.
(٢) والفم من الإنسان والحيوان أصله فَوَه بفتحتين، ولهذا يجمع على أفواه مثل سبب أسباب، ويثنى على لفظ الواحد فيقال: فمان، وهو من غريب الألفاظ التي لم يطابق مفردها جمعها، وإذا أضيف إلى الياء مثل فِيّ وإلى غير الياء أعرب بالحروف، فيقال: فُوه وفَاه وفيه. ويقال: أيضاً فَمُه. المصباح المنير ٢/ ٦٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>